الباب الأول من أبواب الكتاب: باب الأمر
  استدل الأشعرية:
  أوَّلاً: بأنه قد ثبت إجماع الأمة على وجوب تزويج أحد الكفؤين الخاطبين بالتخيير، وعلى وجوب اعتاق واحد من جنس الرقبة في الكفارة بالتخيير، فلو كان التخيير يقتضي وجوب الجميع لوجب تزويج الجميع، وإعتاق جميع الرقاب، وهو خلاف الإجماع.
  قلنا: إنا إنما قلنا بوجوب ذلك على البدل ولا نسلم أنه يقتضي مخالفة الإجماع فإنه نفس محل النزاع، وما ذكرتموه مجرد استبعاد في محل النزاع، وأنه لا يجدي نفعاً.
  وثانياً: بأنها لو كانت كلها واجبة لم يسقط الوجوب والذم والعقاب بواحدة؛ إذ الوجوب والمصلحة فيها على سواء.
  قلنا: إنما يلزم ذلك لو لم تكن الواحدة منها قائمةً مقام الأخرى في وجه الوجوب، وليس كذلك فإنه إذا فعل واحدة منها قامت مقام صاحبتها في المصلحة واللطف، فلم يكن هناك بعد فعلها وجه يلزم لأجله فعلها.
  (وقيل): الواجب (واحد معين عند الله، مجهول عند المكلف، فإن فعله سقط الوجوب به) أي بفعله، إذ فعل ما يجب عليه، (وإن فعل غيره فنفل يسقط به الفرض)، فإن الواجب قد يسقط بفعل غيره كسقوط الشاة الواجبة في خمس من الإبل بإخراج البعير.
  ورد: بأن شرط المكلَّف به أن يكون معلوماً للمكلَّف، وبأنه يلزم منه أن المأتي به إذا لم يكن هو الواجب، بل النفل الذي يسقط به ذلك الواجب يصدق على الآتي به أنه ليس آتياً بواجب بل ببدله، وهو خلاف الإجماع، لانعقاده على أن الشخص الآتي بأي واحدةٍ شاء من الخصال آتٍ بالواجب.
  (وقيل): الواجب واحد معين عند الله وهو (ما يفعل منها) فيختلف بالنسبة إلى المكلفين.
  ودفع: بانتفاء شرط التكليف وهو العلم، وبأنه يوجب تفاوت المكلفين فيه؛ لأنه يكون كل من فعل شيئاً كان هو الواجب عليه دون غيره من الخصال، فيكون الواجب على هذا غير الواجب على الآخر عند اختلافهم، وذلك باطل بالآية الكريمة؛ إذ هي دالَّة على أن كل خصلة من الخصال مجزية لكل مكلف، وبإجماع العلماء على أن المكلفين سواء في ذلك، وأن الذي أخرج خصلة لو عدل إلى الأخرى أجزأته ودفعت واجبه.