الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الأول من أبواب الكتاب: باب الأمر

صفحة 370 - الجزء 1

  قال: فأما ما يستحق على الفعلين الأخيرين إذا فعلهما جميعاً، وكان له ثواب واجب لا غير، فيستحق عليهما ثواب فعلين كانا يقومان مقام الواجب في المصلحة لو سبق إلى فعل أحدهما، ولا يستحق عليهما ثواب النفل الصرف؛ إذ لهما رتبة عليه، ولا ثواب الواجب الذي لم يفعل ما يقوم مقامَه في المصلحة للمكلف؛ إذ هما دونه.

  وقال (أبو الحسين: بل يستحق على جميعها ثوابُ واجبٍ مخير) ومقداره يعلمه الله سبحانه، (وإن كانت) الواجبات المخيرة مفعولة (دفعة) بأن يوكل بفعلها أجمع وكلاً، أو يوكل باثنتين وبفعل واحد، ويتفق الأفعال في وقت واحد (استحق الثواب على أشقها، وفاقاً لجمهور المعتزلة، والخلاف فيها كذلك) مثل الخلاف في المفعول دفعاتٍ من أنه هل يستحق على اثنين منها ثوابَ مندوب، أو ثواب واجبين لا ذم على تاركهما، أو ثواب واجب مخير في جميعها، وقول المصنف هذا بناء على أن الثواب على قدر المشقة، وهو باطل، وبطلانه مقرر في موضعه.

  لا يقال: قولكم إنه يستحق الثواب على أشقها ينافي القول بوجوبها أجمع؛ لأنها إذا كانت كذلك فلا مخصص يقتضي استحقاق ثواب أحدها، بل القياس يقتضي أن يستحق ثواب جميعها؛ لأنه قد فعلها جميعاً، وهي كلها متصفة بالوجوب، فاستحقاق ثواب أحدها فقط يقدح في العدل.

  لأنا نقول: معنى كونها واجبة على التخيير أن كل واحد منها فيه من وجه الوجوب مثل ما في الآخر من غير زيادة ولا نقصان، ولا خلاف في قدر ما وجب لأجله ولا صفته ولا وقته ولا زمانه، فمهما فعل واحداً منها قد كمل له ذلك الوجه ولا زيادة فيه، بفعل جميعها أو اثنين منها؛ لأنها متماثلة في نفسها وفي وجه وجوبها، وإنما وصفناها جميعاً بالوجوب لحصول وجهه فيها، وإنما جعلناها على التخيير؛ لأن كل واحد منها يقوم مقام الأخرى في وجه الوجوب للاستواء فيه، فثبت التخيير للمكلف في فعل أيها شاء.

  ولا يلزم أن ينال على كل واحد منها ثواباً مستقلاً حيث فعلها دفعة؛ لأنه لا يحصل بفعل جميعها من وجه الوجوب إلا ما يحصل بفعل أحدهما؛ لاستواء ما تضمنه منه في القدر والصفة.

  (و) من أحكامه أن الواجبات فيه (إذا تركت معاً استحق العقاب على ترك أخفها، وفاقاً لجمهور المعتزلة) لأنه لو فعل لم يستحق عقاباً رأساً، فكذلك إذا لم يفعله يستحق العقاب