الباب الأول من أبواب الكتاب: باب الأمر
  عليه؛ لأن العقاب بمنزلة العوض المستحق، ولا شك أنه إذا عوقب عقاب أدناها فقد استوفى الحكيم عوض الإخلال بها أجمع.
  قال أبو الحسين: وهذا العقاب يستحق على الإخلال بها أجمع لا على أحدها؛ إذ لو كان كذلك لكان هو الواجب، وقد ثبت أن الوجوب عام لها.
  (و) من أحكامه(١) أنه (إنما يخير) أي يوقع التخيير (بين متفقي الحكم، كواجبين) فصاعداً، كخصال الكفارة، (أو مندوبين فصاعداً لا) بين (ما اختلف حكمها كواجب ومندوب) أو
(١) فإن قيل: سجود السهو واجب، وترك المسنون يوجبه، وترك المسنون جائز، فيلزم أن يكون التخيير بين واجب ومندوب.
فالجواب: أن سجود السهو ليس بواجب إلا بعد ترك المسنون، فإذا ترك المسنون طرأ عليه الوجوب.
فإن قيل: فما يكون حكمه وقت ترك المسنون، هل يخير بين فعله وتركه، أو بين فعله والعزم على أداء سجود السهو.
فإن قلتم بالأول: لزم أن يكون التخيير بين الفعل والترك، وهو لا يثبت.
وإن قلتم بالثاني: لزم الذي فررتم منه، وهو التخيير بين المسنون والواجب.
والجواب عن السؤال الأول: أنه ليس بمخير بين الفعل والترك، بل مأمور بالفعل أمر ندب، وهو الذي يجاب به أعني باختيار السبق الأول، ثم بعد ذلك يطرأ عليه الوجوب.
والحاصل في الجواب: أن سجود السهو إنما يجب بعد ترك المسنون، وأن المسنون مأمور به أمر ندب، غير مخير بينه وبين الترك الذي هو مباح، وليس التخيير بينه وبين العزم على أداء سجود السهو، وإنما تطرأ صفة وجوب السهو بعد، والله سبحانه أعلم.
هذا هو الذي يقضي به النظر، ووقفت بعد هذا على جواب حسن للنجري في شرح المقدمة وهو: أن مجموع سنن الصلاة وسجود السهو واجبان على التخيير، بمعنى أن المصلي مخير بين أن يأتي بجميع السنن أو يسجد للسهو، فمتى أخل بالأول إما بأن لم يأت بشيء منها أو أتى ببعضها دون بعض تعين الثاني وهو السهو، فعلى هذا تسميتها سبباً مع اشتراكهما في الوجوب على التخيير إنما هي لأن المصلي حال إتيانه بالسنن مخير إن شاء أتى بها وإن شاء تركها إلى بدلها، فأشبهت السنة، بخلاف سجود السهو فإنه حال إتيانه به معين لثبوت بدله فلم يسم سنة.
والتحقيق: أن مجموع السنن وسجود السهو وإن كانا واجبين على البدل لكن السنة إيثار الأول منهما وهو الإتيان بجميع السنن، فإذا فعله المصلي وقدمه على بدله كان فاعلاً للواجب وللسنة، وإذا تركه وفعل بدله وهو السجود، كان فاعلاً للواجب فقط، فسميت سنن الصلاة سنناً لأن فاعلها فاعل للسنة، وسمي السهو واجباً، =