فصل: في بيان كون الأمر المطلق يفيد الفور أو التراخي أو غيرهما أو لا يفيد شيئا
  أحدهما: ذكره أبو الحسين وهو أن هذا فرع على إثبات الأعراض وأنها تختص بالأوقات والنزاع في الموضعين.
  الثاني: أن المكلف لم يؤمر من ذلك إلا بما له صورة مخصوصة لا بأعيان معينة؛ لأن التكليف بذلك لا يصح لعدم تمييز تلك الأعيان من غيرها.
  فأمَّا أهل التراخي فليس لإيجاد المأمور به عندهم وقت معين يجب إيقاعه فيه فيقال: هل هو بعد ذلك يحتاج إلى دليل أو لا، بل الأوقات سواء في إيجاب إحداث ذلك الفعل.
  وقال (القاسم) بن إبراهيم رواه عنه في اللمع والشفاء ورواه الإمام، (وأبو طالب والمنصور) بالله، رواه عنه الإمام (والشيخ) الحسن الرصاص، (والملاحمية والشيخان) أبو علي وأبو هاشم (وبعض الأشعريَّة): إن الأمر المطلق وضعه (للتراخي) لا بمعنى أنه يجب التراخي، بل بمعنى أنَّه لا يجب الفور، ولهذا قالوا: (ويمتثل) أي يعد ممتثلاً (من بادر) به لفعله ما يقتضيه الأمر فيكون كالمبادر بالزكاة قبل حصول وقتها.
  وقال (الشافعي والمتأخرون) كالإمام والمهدي والقرشي والفقيه مطهر وابن موسى الدواري: وهو الذي اختاره الرازي وابن الحاجب أن الأمر المطلق مقيد (لمجرد طلب الفعل ولا يدل عليهما) أي على القول والتراخي (إلا لقرينة) تعين أحدهما كما لو قال السيد لعبده: اسقني ماء، فإنه يفهم منه الفور لقرينة وهي أن العادة أن طلب السقي يكون عند الحاجة إليه عاجلة.
  وقال (الجويني): بل هو (للفور شرعاً) أي يجب حمله عليه في أوامر الشرع (لأنه أحوط) من التأخير لحصول الامتثال بفعله فيه بإجماع من يعتد به، وليس كذلك إيقاعه فيما بعد؛ لأنَّه لا يأمن حصول المضرة بتأخيره.
  وأجيب: بأنه ينبغي الاحتياط في النظر هل الأمر على الفور أو لا، فإذا صح بالدليل أن الأمر ليس على الفور حصل الأمن من وقوع الضرر بتأخيره عن أول أوقات الإمكان، لعلمنا ببقاء المصلحة في فعله فيما بعد (وتوقف) الجويني في مقتضاه (لغة) قال: إذ لا يعلم بمجرد اللغة أن الأمر يقتضي التعجيل ولا يقتضيه، إلا أنَّا نقطع أن الطلب متحقق في الحال.