الباب الأول من أبواب الكتاب: باب الأمر
  وقال (الباقلاني: يجب الفور أو العزم) يعني يجب إمَّا الفعل في ثاني أوقات الخطاب أو العزم على الفعل فيما بعده، والمراد أن الباقلاني يقول: إن الأمر المطلق يقتضي الفور لكنه يقول: لا يعصى بالتأخير مع العزم.
  وحاصله: أن الواجب عليه في ثاني الحال إما الفعل أو العزم.
  قيل: والظاهر أن هذا هو القول بالتراخي، أعني جواز التأخير، لكنه شرط العزم وهو اختيار أبي طالب وسيأتي ذكر حجتهما والجواب عنها إنشاء الله في الواجب الموسع.
  (وقيل: بالوقف) في مدلول الأمر (إما) أن يكون للجهل بمدلوله لغة (بمعنى لا يدري هل وضعه للفور أو التراخي) فيتوقف أيضاً شرعاً، (أو بمعنى أنه مشترك بينهما) أي القول والتراخي فتوقف فيه لتجرده عن القرينة كما هو المفروض.
  لنا: أن السيد إذا أمر عبده بفعلٍ من الأفعال فتناسى عليه العبد وآخر حتَّى مضت الأيام والشهور لم يختلف العقلاء في أنه عاصٍ.
  فإن قيل: إنما وجب ما ذكرتموه في الشاهد لوجه مفقود في التكليف، فإن العبد يعلم من قصد سيده تعجيل المراد، وربما تمس الحاجة الشديدة إلى ذلك بخلاف أوامر الحكيم، فإنَّ الغرض بها تعريض للثواب وهو حاصل في أي وقتٍ وقع المأمور به.
  قلنا: كما يعلم ذلك في الشاهد بقرائن الأحوال والخطاب، فإنا نعلم في الأوامر كذلك بالقرائن ودلالة الخطاب:
  أمَّا القرائن: فهو أن التكليف والأمر دعاء للمكلف إلى نيل الثواب، ولا ينال ذلك إلا بالقيام بما كلفناه فعلاً وتركاً مع ما في ذلك من المصلحة، ونحن نعلم أن المسارعة إلى القيام بما كلفناه يأتي على الوجهين.
  وأمَّا دلالة الخطاب: فقوله تعالى {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ١٣٣}[آل عمران: ١٣٣]، ولا شبهة أن المسارعة إلى ذلك لا تكون إلا بتعجيل القيام بما كلفناه وتعجيل الترك.