الباب الأول من أبواب الكتاب: باب الأمر
  قلنا: النفل يجوز تركه على الإطلاق، والصلاة لا يجوز تركها كذلك، وإنما تترك من وقت إلى وقت، وأمَّا على أنه ليس ببدل فما تقدم.
  جمهور الشافعية: لو كان واجباً في آخر الوقت لعصى بتركه في آخر الوقت، وقد أتي به في أوَّله.
  قلنا: ذلك إنما يلزم لو تعين وجوبه آخر الوقت، وليس كذلك، بل التعجيل والتأخير فيه جائز كخصال الكفارة.
  الحنفيَّة: لو كان واجباً في أول الوقت لعصى بتأخيره؛ لأنه ترك الواجب وهو الفعل في الأوَّل.
  قلنا: إنما يلزم لو تعين وجوبه أول الوقت كما تقدم.
  قالوا أيضاً: قد ثبت أنه إذا أخل بالصلاة في آخر الوقت استحق الذم، وهذا حقيقة الواجب استحقاق الذمّ، وإذا أخل به قبل ذلك لم يستحق الذم، وهذا يقتضي أنها حينئذ غير واجبة.
  قلنا: إنما استحق ذلك في آخر الوقت لتضيقها فيه، وهو أيضاً يستحقه على الإخلال بها في أول الوقت، وهو حيث ينقضي الوقت ولما يفعلها، ويكفي في حقيقة الواجب استحقاق الذم على بعض الوجوه، فبطل ما زعمتم.
  (و) من الأحكام لما نحن فيه أن (من مات في أثناء) الوقت (الموسع بعد العزم على الفعل) وقبل الفعل (لم يأثم بتأخيره)، لأن التأخير جائز له، فلا يأثم بالجائز.
  وقوله (بعد العزم): لعله أراد ليفيد أنه لا يأثم باتفاق، وإلا فغير العازم لا يأثم أيضاً على المختار كما سبق من عدم اشتراط العزم.
  (ويأثم في الأصح من أخره لغير عذرٍ مع ظن الموت) فإن لم يظن الموت فلا إثم عليه، وصورة ظن الموت أن يُطالب أولياء الدم مثلاً باستيفاء القود من الجاني فيحضره الإمام أو نائبه، ويحضر الجلاد ويأمره بقتله.
  قال الآسنوي: ومثله أيضاً ما إذا كان عادة المرأة أن ترى الحيض بعد مُضي أربع ركعات بشرائطها من وقت الظهر، فإن الوقت يتضيق، نص عليه الجويني في النهاية، في الكلام على مبادرة المستحاضة إذا تقدر ذلك، فإن عصى فاتفق أن أوْلياء الدَّم عفوا عنه أو لم يأت الحيض ففعله في وقته الأصلي، لكن بعد الوقت المضيق بحسب ظنه فهو آثم في الأصح، وادعى ابن الحاجب الاتفاق على ذلك، وكذلك القرشي.