الباب الأول من أبواب الكتاب: باب الأمر
  وكان الإشارة بقوله في الأصح إلى ما ذكره المهدي # حيث قال: وعندي أنه لا يأثم إلا من جعله متعلقاً بأوَّله فقط، لأجل تأخيره عن وقت الوجوب لا لظن الموت.
  مثال ذلك: أنَّا إذا جعلنا الصلاة لطفاً في واجب لا يصح إيقاعه قبل خروج الوقت؛ لأنَّ الشرع ورد بأجزائها ووجوبها من أول الوقت إلى آخره، من دون أن يخص حالاً دون حال، ولا مكلفاً دون آخر، فيكشف لنا ذلك عن الملطوف فيه إنما يكون بعد خروج وقتها لا قبله؛ إذ لو جوزنا كون ما هي لطف فيه يقع قبل خروج وقتها لوجب على الله تعيين ذلك؛ إذ لا مصلحة لنا في فعلها بعد فوات وقت المطلوب فيه، لأنها حينئذ قد سلبت وجه الوجوب وهي كونها لطفاً، فلما ورد الشرع باستمرار وجُوبها إلى آخر الوقت المضروب قطعنا بأن الملطوف فيه متأخر عن ذلك الوقت في كل حالٍ وفي كل مكلف، وهذا القطع واضح البرهان، وهو يستلزم أمرين:
  أحدهما: أن من مات وقد بقي من وقتها ما يتسع لها، انكشف لنا أنه لم يكن مكلفاً بها؛ إذ ليست له لطفاً حينئذ لعدم تكليفه بالملطوف فيه؛ لأجل الموت قبل حضور وقتها، وهذا واضح كما ترى.
  الأمر الثاني: أنه لا يلزم تعجيل الصلاة حينئذ كما زعم ابن الحاجب - أعني إذا ظن أنَّه يموت عقيب التأخير - لأنَّه إذا ظن ذلك فقد ظن أنها غير واجبة لما قدمنا من أنها لا لطف فيها حينئذ، وإذا ظن أنها غير واجبة لم يلزمه التعجيل كما لو لم يظن الموت، فلا وجه لما ذكره ابن الحاجب مع القول بأن وجه وجوب الصلاة ونحوها كونها مصلحة.
  وأما على أصلهم وهو أنها إنما وجبت للأمر بها فذلك مستقيم؛ لأنه يلزمه امتثال الأمر، فإذا أمكنه في أوَّل الوقت وغلب في ظنّه أنه لا يمكنه في آخره، وجب عليه التعجيل لوجوب امتثال الأمر، فهذا مستقيم على أصلهم لا على أصلنا فافهم هذه النكتة، فقد غفل بعض علمائنا عن هذا، وجعل كلام ابن الحاجب مستقيم على أصلنا.
  قلت: وأراد به الفقيه يوسف ¥؛ لأنه نص عليه في الزهور.
  (فإن لم يمت) ذلك الذي أخر مع ظن الموت (ثُمَّ فعله في وقته، فالمختار وفاقاً للجمهور أنه أداء) لأنه مفعول في وقته المقدر له شرعاً.
  (خلافاً للباقلاني) فإنه زعم أنه قضاء؛ لأنه صار وقته شرعاً بحسب ظنه ما قبل ذلك الوقت، فهذا واقع بعد وقته.