الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في الأمر بالفعل المطلق ماهو المطلوب منه]

صفحة 389 - الجزء 1

  أفراد البيع، لكن مخالفته للمعتاد قرينة على أن الأمر لم يقصد شمول طلبه له، (لا) أن المطلوب (نفس الماهية الكليَّة) أي التي ليست في ضمن الشخص، (المجردة) عن عارض الشخص، (لاستحالة وجودها في الأعيان) فلا تطلب، وإلا امتنع الامتثال وهو خلاف الإجماع.

  يقال: إن الماهية يستحيل وجودها في الأعيان أنها لو وجدت لزم تعددها كلية في ضمن الجزئيات، فمن حيث أنها موجودة تكون مشخصة جزئية، ومن حيث أنها الماهية الكلية تكون الكلية وأنه محال.

  وقال (بعض الشافعية): ليس المطلوب الجزئي (بل) الماهيّة (هي المطلوبة) بالأمر، لأن المطلوب غير مقيد بالجزئي، والجزئي مقيد فلا يكون المطلوب هو الجزئي فيكون هو المشترك بما ذكرنا من الدليل، فوجب حمل الأمر على طلب الجزئي المقيد بقيد ما مر غير تعيين، وإن كان ظاهراً في المشترك؛ إذ لا مخرج عنهما، (فالأمر) نحو: بع (يتعلق بها) أي بالماهيَّة (لا بالجزئيات المطابقة لها) نحو البيع بثمن المثل أو أزيد.

  قلنا: يستحيل طلب المشترك الجزئي؛ لأن القاطع لا يعارضه الظاهر.

  واعلم أن مبنى كلام الفريقين على عدم تحقيق معنى الماهية الكلية، وعدم التفرقة بين الماهية المطلقة، بمعنى عدم اشتراط قيد مّا، والمطلقة تعني اشتراط الإطلاق وعدم التقييد، وتحقيقه: أن الماهية قد توجد بشرط أن تكون مع بعض العوارض كالإنسان بقيد الوحدة فلا يصدق على المتعدد، وبالعكس، وكالمقيد بهذا الشخص فلا يصدق على فردٍ آخر، وتسمى الماهية المحلوظة، والماهيَّة بشرط شيء، ولا ارتياب في وُجودها في الأعيان، وقد يوجد شرط التجرد عن جميع العوارض، وتسمى الماهيَّة المجردة، والماهية بشرط لا شيء، ولا خفاء في أنها لا توجد في الأعيان، بل في الأذهان، وقد توجد لا بشرط أن تكون مقارنة أو مجردة، بل مع تجويز أن تقارنها العوارض ولا تقارنها، ويكون مقولاً على المجموع حالة المقارنة وهي الكليَّة الطبيعيَّة، وتسمى المطلقة والماهيَّة لا بشرط شيء، والحق وجودها في الأعيان لا من حيث كونها جزءاً من الجزئيات الحقيقيَّة على ما هو رأي الأكثرين، بل من حيث أنه يوجد شيء تصدق هي عليه ويكون عينَه بحسب الخارج، وإن تغايرا بحسب المفهوم، ولهذا زيادة تدقيق ليس هذا موضعه.

  وإذا تقرر هذا، فنقول: يجوز أن يكون المطلوب هي الماهية من حيث هي هي لا بقيد الكلية ولا بقيد الجزئيَّة، وإن كانت لا تنفك في الوجود عن أحدهما، وهذه لا يستحيل وجودها؛ لأن