الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: في الأمر بالشيء المعين هل هو نهي عن ضده أو يدل عليه أو لا؟

صفحة 393 - الجزء 1

  واعترض: بأنا لا نسلم حصول القطع بطلب حصول الفعل مع الذهول عن الضد، وإنما يصح لو أريد الضد الخاص الذي هو جزئي من جزئيات ما لا يجامع المأمور به، كالقعود بالنسبة إلى القيام، أمَّا لو أريد الضد العام أعني أحد الأضداد لا على التعيين، فلا إذ الطالب إنما يطلب الفعل إذا علم أن المأمور متلبس بضده العام لا بالفعل نفسه، والعلم بعدم تلبسه بالفعل مستلزم لتعقل الضد.

  وأجيب: بأن جواز الذهول عن الضد أيضاً ضروري نجده من أنفسنا، وما ذكرتم لا يدفعه؛ لأن الأمر طلب الفعل في المستقبل وهو لا ينافي التلبس به في الحال حتَّى يفتقر إلى العلم بتلبس المأمور بالضد العام، ولو قدر أن الطَّلب يتوقف على عدم تلبس المأمور بالفعل وعلى كفه عنه، فالكف أمر واضح يعلم بالمشاهدة من غير توقف على العلم بشيء من أضداد الفعل، فلا يستلزم تعقل الضد.

  واعلم أن الظاهر من قول من قال إن الأمر بالشيء ليس عين النهي عن ضده ولا يتضمنه أنهم أرادوا بالتضمن ما يشمل الالتزام لا المعنى الاصطلاحي، لكن المؤلف بنى على أن التضمن هنا بالمعنى المصطلح عليه، فلذلك قال (والمختار وفاقاً لبعض المعتزلة) وتبعاً للآسنوي (أنه يستلزمه) بمعنى أنه يدل عليه بالالتزام، (خلافاً للإمام) يحيى (وغيره) من المعتزلة وغيرهم؛ لأن الأمر دال على المنع من الترك، ومن لوازم المنع من الترك المنع من الأضداد فيكون الأمر دالاً على المنع من الأضداد بالالتزام وهو المدعى.

  وأنت خبير باندفاع هذا بما سبق من أن الضد قد لا يخطر بالبال حال الأمر بالشيء، دع عنك المنع منه.

  (و) ثالثها: ما روي (عن بعض المعتزلة أن أمر الوجوب يستلزمه دون أمر الندب) فلا، لأن أمر الإيجاب طلب فعل يذم على تركه اتفاقاً، ولا ذم إلاَّ على فعل؛ لأنه المقدور وبالفعل الذي يذم عليه أمر في الإيجاب إلا الكف عن المأمور به أو إيقاع ضد المأمور به، والذم بأيهما كان من الكف وفعل الضد، فذلك الذم يستلزم النهي عن أيهما كان؛ لأن الذم معنى النهي بمعنى أن المنهي ما يذم فاعله، وإلا فحقيقة النهي طلب الكف عن الفعل بخلاف أمر الندب، فلا وجه لجعله نهياً عن الضد؛ إذ لا ذم على التارك.

  قلنا: النزاع إنما هو في أن أمر الإيجاب هل يستلزم بحسب مفهومه النهي عن الضد لزوماً عقلياً لا بدليل من خارج، وحينئذ لا نسلم أن الذم على الترك من اللوازم العقلية للأمر، ولو سلم فلا نسلم أنه لا ذم على العدم المحض، ولو سلم فلا نسلم أن كل ما يذم عليه فهو منهي عنه، وإنما