الباب الأول من أبواب الكتاب: باب الأمر
  يكون لو كان فعلاً لا كفاً، فإن النهي طلب كف عن فعل لا عن كفٍ، ولو جعلنا الكف عن المأمور به منهياً عنه كان النهي طلب الكف عن ذلك الكفّ.
  (واختلفت الأشعريَّة) على أربعة أقوال:
  (فقال الجويني والغزالي وابن الحاجب: ليس) الأمر بالشيء (عينه) أي عين النهي عن ضده حتَّى يكون الدال عليه دالاً عليه بالمطابقة، (ولا يتضمنه، ولا يستلزمه)، وهذا المذهب بعينه هو مذهب الإمام وقد عرفت دليله.
  وقال (الباقلاني): أنه ليس كذلك (بل هو عين النهي عن ضده) مستدلاً: بأن فعل السكون مثلاً عين ترك الحركة؛ إذ البقاء في الحيز الأول هو بعينه عدم الانتقال إلى الحيز الثاني، وإنما يختلف التعبير ويلزم منه أن يكون طلب فعل السكون هو طلب ترك الحركة.
  وأجيب: بمصير النزاع لفظياً في تسمية الفعل المأمور به تركاً لضده، وفي تسمية طلبه نهياً، وطريق ثبوته النقل لغة، ولم يثبت، وعلى تقدير ثبوته يكون حاصله: أن الأمر بالشيء له عبارة أخرى كأحجية، مثل أنت وابن أخت خالتك، وذلك يشبه اللعب لا ينبغي أن تشحن به الكتب العلمية وتشغل بها.
  (ثُمَّ قال) أي الباقلاني (آخراً): إنه ليس عينه لكن (يتضمنه، واختاره الآمدي) وقول المصنف يشعر بأن الباقلاني أراد التضمن المعروف بدليل قوله (وقال الرازي يستلزمه) فالمعروف من مذهبه خلاف ذلك، بل أراد بالتضمن هنا ما يشمل الإلتزام فيكون قول الرازي وقوله متحدين فيصير الأقوال ثلاثة.
  (و) الأشعرية (لم يفرقوا بين أمر الوجوب والندب) في أنه ليس عينه ولا يستلزمه أو يتضمن أو يستلزم النهي عن ضده تحريم في الأوَّل وتنزيهاً في الثاني.
  ثُمَّ إن (أئمتنا والمعتزلة) قالوا: (وكذلك) أي كما أن الأمر بالشيء ليس نهياً عن ضده (ليس الأمر بالشيء ناهياً عن ضده خلافاً للباقلاني) فقال: إن الأمر بالشيء ناهياً عن ضده.
  قال الإمام: ومعناه أن نفس كونه أمراً بالشيء هو عين كونه ناهياً، وادعى الباقلاني الإجماع على ذلك وأن الخلاف إنما هو في الفعل لا الفاعل.
  (ودعواه الاتفاق في الفاعل باطلة) لما عرفت من مذهب أئمتنا والمعتزلة خلاف ما قال.