الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: في الأمر إذا تكرر هل يقتضي تكرار المأمور به أو لا

صفحة 396 - الجزء 1

  ذلك مانعاً من تكرار السقي، فحينئذ يتعين التأكيد، (أو تعريف) بجعل الثاني عبارة عن الأول وإشارة إليه، كصل ركعتين أو غير ذلك، كصم هذا اليوم صم هذا اليوم؛ لأن الكلام فيما يقبل التكرار.

  (وتأكيد عند المنصور) بالله (والشيخ) الحسن (و) عبد الله (بن زيد، وتوقف أبو الحسين وابن الملاحمي) فيما هذا حاله هل يكون تأكيداً للأول أو يستدعي مأموراً ثانياً.

  لنا: أن فائدة التأسيس - وهي هاهنا أن يقتضي التكرار إيجاباً آخر - أظهر من فائدة التأكيد وهي نفي وهم التجوز؛ لأن التأسيس بالنظر إلى نفسه أكثري، والتأكيد بالنظر إلى نفسه أقلي، وإن كان في التكرير أكثر والحمل على الأظهر الأكثر أولا، وأيضاً فوضع الكلام للإفادة لا للإعادة، أيضاً فالتأسيس أصل والتأكيد فرع.

  قالوا: كَثُرَ التكرار في التأكيد مالم يكثر في التأسيس فيحمل عليه إلحاقاً للفرد بالأعم الأغلب، وأيضاً فإنه يلزم من العمل بهما تكثير مخالفة الأصل وهو براءة الذمة عن المرة الثانية، بخلاف التأكيد، وما لا يفضي إلى تكثير مخالفة الأصل الذي هو الظاهر أولى مما يفضي إليه.

  قلنا: ما ذكرتم في ترجيح التأكيد لا يقاوم ما ذكرنا في ترجيح التأسيس، ثُمَّ إن في الحمل على التأكيد أيضاً مخالفة ظاهر الأمر من الوجوب أو الندب للقطع بأنَّه ليس ظاهراً في التأكيد، ولو سلم تساوي الترجيحات المذكورة رجعنا إلى الأصل وهو اقتضاء كل منهما مع انفراده مطلوباً آخر، فلا يتغير ما يقتضيه كل منهما مع الانفراد باجتماعهما، ولو سلم فالاحتياط فيما ذكرنا لاحتمال الوجوب في نفس الأمر فيكون أولَى.

  أبو الحسين قال: الأمر الثاني كما هو محتمل أن يكون مستقلاً بفائدة جديدة فهو محتمل للتأكيد فيجب الوقف.

  (وإن كانا) أي الأمران المتعاقبان المتماثلان (مع العطف ولم يقبل الأول التكرار عقلاً) نحو: اقتل زيداً، واقتل زيداً، (أو شرعاً) نحو: حج هذه السنة، وحج هذه السنة، (وهما عامان) نحو: اقتل المشركين واقتل المشركين، (أو خاصان) نحو: اقتل زيداً واقتل زيداً، (فالثاني تأكيد) لعدم إمكان التكرار.

  قال عبد الله (بن زيد وغيره، وكذا إن كان الأول عاماً والثاني خاصاً) نحو: اقتل كل أحد واقتل زيداً، (أو عكسه) نحو: اقتل زيداً واقتل كل أحَد، فإن الثاني يحمل على التأكيد؛ لأنه لو لم يحمل عليه لكان قد تناول الأمر الثاني مستحيلاً؛ لأن قتل زيد قد دخل في قتل كلّ أحد.