فصل: في بيان فائدة النهي بالنظر إلى الدوام وعدمه
  الانتهاء، ولعله أراد اتفاق القائلين باقتضائه الدوام، وإلا فمن خالف في ذلك كالرازي لم يوافق هنا؛ إذ معنى الدوام شمول جميع الأوقات التي يأتي الخطاب واحد منها، على أن منهم من جعله حقيقة في المكروه كما تقدم لك بقليل، والمكروه ليس بقبيح؛ إذ لو كان قبيحاً لاستحق تاركه العذاب.
  (فالمطلق لدوام الانتهاء لغة وشرعاً عند أئمتنا والجمهور) من الأصوليين (إلا لقرينة) تقتضي عدم التكرار، كقول الطبيب للمريض: لا تأكل اللحم فإن هنا قرينة حال اقتضت على أن المراد به ما دام المرض، وكقولك للمحرم لا تأكل صيد البر، (ولذلك) أي ولأجل أنه لدوام الانتهاء (قيل) أي قال الإمام (النفي المطلق يعم) كل منفي، وهذا في معنى النفي (بخلاف) ما يدل على (الوجود المطلق) فإنه لا يعم، ألا ترى أنك إذا قلت: ما جاءني زيد، فإنه يفيد أنه لم يأتك في زمن من الأزمنة؛ بخلاف قولك: جاءني زيد، فإنه لا يفيد أنه جاءك في كل وقتٍ، إنما يفيد أنه جاءك في وقت ما، وهذا لا شك فيه.
  (وقيل) بل المطلق (للإنتهاء مرة لا للدوام إلا لقرينة) تقتضي الدوام نحو: ولا تقربوا الزنا، فإن قرينة كونه حراماً يقتضي تأييد عدم اقترابه.
  واشتهر بنفي أنه ليس للدوام الرازي، نص عليه في المحصول والحاصل، فإن أراد المصنف أن هذا القول له فالعبارة غير محررة؛ إذ الرازي يقول: إن النهي لا يدل على التكرار ولا على الفور، فلو قال: ولو بمرة، لكان أولى، لأن أهل هذا القول إنما ينفون التكرار، ولا يقيدون بالمرة، وأطلق العضد الخلاف هنا لشذوذ، ولم يحكم بأن خلافهم في أنه للمرة أو أنها من ضروراته.
  لنا: من جهة اللغة أن السيد متى نهى عبده عن شيء من الأشياء ففعل ذلك عد عاصياً في أي وقت فعله، ومن جهة الشرع أن العلماء لم تزل تستدل بالنهي عن الترك، مع اختلاف الأوقات لا يخصصونه بوقت دون وقت، ولولا أنه للدوام لما صح ذلك.
  قالوا: لو كان للدوام لما انفك عنه وقد انفك فإن الحائض نهيت عن الصلاة والصوم ولا دوام.
  قلنا: كلامنا في النهي المطلق، وهذا مختص بوقت الحيض لأنه مقيد به، فلا يتناول غيره، ألا ترى أنَّه عام لجميع أوقات الحيض.