[شرح بقية ألفاظ المقدمة]
  وإنَّما ذكر رصيفاً وهو اسم مصدر، (وإبراز) أي إظهار (المعنى الخفي اللطيف) وهو في اللغة الصغير، وكأنَّه أرادَ به هنا الحسن، وذلك لأنَّ الحسن والملاحَة يلازمان الصغير، فناسب أن يقصد به ذلك (في إبريز) أي ذهب (اللفظ الجلي الطريف) من باب التشبيه المؤكد، والطريف الحسن، (على أنَّه قد قال غير واحدٍ من علمائنا الأفاضل) كالقاضي شرف الدين حسين بن ساعد، والسيد محمد بن إبراهيم صاحب العواصم، والفقيه إبراهيم العراري: (المصنفون حقيقة هم الأوائل، فأمَّا المتأخرون فمصنفاتهم إيجاد الموجود وتحصيل الحاصل)، وبعض الجهلَة من المتأخرين يقف على بعض مصنفات الأوائل فيعترضها بعدم السبك، وإحكام الحدود والتكرير، وتهذيب العبارة، ولم يعرف أن الأوائل الذين شرعوا التصنيف، وأرشدوا المتأخرين إلى ذلك، وسنوا لهم تلك المسالك فإنهم كانوا يجتهدون في استنباط الأحكام من أصولها من غير نظرٍ في كتابٍ مصنف، ولا مجموع مؤلف، فإنَّه يروى أن الشافعي | كان يبيت ساهراً، وفي الأحكام مفكراً، عارضاً للكتاب والسنة، مؤلفاً منها أحكاماً؛ (إذ الأوائل المفجرون لعيون الحكم الجارية في أنهارها) واعلم أن في هذه الفقرة الإستعارة المكنية والتخييليَّة.
  وبيَان ذلك على مذهب صاحب التلخيص:
  أنه شبه الحكم بالمياه بجامع كون كل منهما سبباً للحياة؛ إذ الأولى سببُ لحياة الباطن، والثانيَة سبب لحياة الظاهر، وذلك التشبيه مضمر في النفس، ودلَّ عليه بإثبات العيون للحكم فذلك التشبيه هو الاستعارة بالكناية، وذلك الإثبات هو التخييلية، والتفجير ترشيح التخييلية، وذكر الجري ترشيح للمكنية.
  وأمَّا الثانية أعني قوله (والملتقطون لمكنون الدر المودع في بحارها) ففيها استعارة مصرحة، فإنَّه شبه لطائف الحكم ودقائقها بالدر المكنون بقرينة كونِه مودعاً في بحارِ الحكم والإلتقاط ترشيح.
  والأوائل (وإن أخطئوا حيناً في معنى أو عبارة، فكل منهم هو السابق في حلبة الفضل المقفو آثاره) أخذ هذا من حلبة السباق، مِنَ السابِق فيها، وهي الخيل تجمع للسباق، وقيل لها حلبة؛ لأنَّها تجمع من كلِّ وجهٍ، ولا تخرج عن واحدٍ كما يقال للقوم يأتون من كل جانبٍ للنصرة: قد تجلبوا، والذي يأتي متقدماً يقال له: السابق والمجلي، والذي بعده يقال له: المصلي؛ لأن رأسه من السابق قبل صلوه، ثُمَّ المسلي، ثُمَّ التالي، ثُمَّ المرتاح، ثُمَّ العاطب، ثُمَّ الحطي، ثُمَّ المؤمل، ثُمَّ اللطيم، ثُمَّ السكيت وهو آخرها، قال:
  من تحلى بغير ما هو فيه ... فضحته شواهد الامتحان