الباب الثاني من أبواب الكتاب: باب النهي
  أبو حنيفة: لو لم يدل على الصحة لكان ممتنعاً عن المكلف، بمعنى أنه لا يتصور له وجود شرعي هو معنى الصحة، فلا يمنع المكلف عنه؛ لأن المنع عن الممتنع لا يفيد، فلا يقال لمن لا يقدر على القيام لا تقم.
  قلنا: إنه ممتنع بهذا المنع، وإنما المحال منع الممتنع بغير هذا المنع.
  أبو طالب: أمَّا أنه لا يدل عليه لغة: فاحتج عليه بما تقدم.
  وأمَّا على أنه يدل عليه شرعاً: فبأنه لم يزل علماء الأمصار في الأعصار يستدلون على الفساد في العقود وغيرها ويرجعون في الدلالة على الفساد إلى مجرده، كرجوعهم إلى قوله ÷ «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا الخالة والعمة عليها، لا الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى» في فساد هذا العقد من غير اعتبار معنى سوى ذلك، وكرجوعهم عند الاختلاف في حكم نقد أو نسيئة إلى خبر أبي سعيد الخدري وعبادة بن الصامت في النهي عنه نقداً، وهكذا رجع كثير منهم إلى نهيه ÷ «عن نكاح المحرمة ونكاح الشغار»، في فساد هذين العقدين، ولم يحك إنكار في الرجوع إلى النهي ولا في الإستدلال به، وإنما نوزعوا بالنهي من وجوه آخر، فصار إجماعاً منهم على اقتضاء النهي للفساد في الأفعال الشرعية.
  فإن قيل: إذا وجدناهم قد حكموا بفساد ما تناوله النهي في بعض المواضع وحكموا بصحته فلم صار حكمهم بالفساد دلالة على أن من حق النهي أن يقتضيه أو يحمل عليه، أو لى من أن يحكم بأنَّ النهي بمجرده لا يقتضي الفساد، استدلالاً بفعلهم في المواضع الأخر.
  فالجواب: أنه إذا ثبت أن الحكم بفساد المنهي عنه إنما علقوه بالنهي فقط في المواضع التي حكموا به من دون اعتبار أمر آخر على ما بيناه وأوضحنا الحال فيه صار هذا أصلاً فيما ذهبنا إليه ودلالة عليه، فإذا وجدناهم في مواضع لم يحكموا بفساد المنهي عنه وجب أن يحمل ذلك على أنهم عدلوا عن هذا الأصل ولم يحكموا فيه بالفساد لدلالة دلت عليه، كما يعدل عن مقتضى صيغة العموم للحكم بالخصوص وعما تقتضيه حقيقة اللفظ إلى مقتضى مجازه إذا دلت الدلالة عليه، ويعلم بما ذكره أبو طالب جوابُ ما تقدم لصاحب المقنع من أن وقوع الفساد في