فصل: [هل النهي عن الشيء أمر بضده؟]
  وفي الحواشي: [فلم قلتم: في نهي الحظر يقتضي الفساد، لأن النهي عنه لمفسدة، وهو نهي الكراهة، وقلتم في نهي الكراهة أنه قد يقتضي الفساد والنهي لمفسدة، كما قلتم في نهي الخضب.
  والجواب: أن نهي الكراهة لا يقتضي القبح كنهي الحظر، وإنما يقتضي أن فعل الصوم والصلاة في الزمان والمكان المخصوصين مرجوح، وأن فعلهما في غيرهما راجح، فالأمر بالصلاة والصوم يقتضي المصلحة مطلقاً، والنهي عنهما في زمان مخصوص يقتضي أن تكون المصلحة في غير ذلك الزمان والمكان راجحة، وفيهما مرجوحة فقط، لا أنها قد فسدت لأجل النهي، وإنما تكون مرجوحة فقط لأجل العدول من المرجوح إلى الراجح، وإن كانا جنسين معاً، بخلاف نهي الحظر فإنه يقتضي قبح المنهي عنه. انتهى من الحواشي](١).
  فإن قيل: النهي يدل على الكراهة والمكروه غير مراد فالصلاة في المعاطن غير مراده، فلا يجزي كفي الدار المغصوبة.
  قلنا: الفرق ظاهر، فإن الصلاة في الدار المغصوبة غير مرادة لله تعالى؛ لأن أكوانها عين المعصية، بخلاف هذه فهي مراده، وإنما الذي هو غير مراد إيقاعها في المكان المكروه، والنهي فيها يرجع إلى المكان لا إلى الأكوان، فهي كالبيع وقت النداء، وإن كان هذا كراهة لا حظر.
  (ولذلك) أي ولأجل أن نهي الكراهة لا يدل على الفساد (تقع عن الواجب مع النهي عنها) أي الصلاة في الأماكن المكروهة، فلو كان يقتضي الفساد لما وقع، وقد وقع.
فصل: [هل النهي عن الشيء أمر بضده؟]
  كما سبق الخلاف في الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده كذا الخلاف هنا، أعني هل النهي عن الشيء أمر بضده.
  فقال (أئمتنا والمعتزلة: وليس النهي عن الشيء هو عين الأمر بضده) فالنهي عن القيام ليس أمراً بالقعود، (ولا يتضمنه، أي لا يدل عليه بالمطابقة) فليس هو عينه (ولا بالتضمن) فليس بعضه، (إذ هما) أي الأمر والنهي (لفظان متغايران) وقد عرفت الكلام على قوله لفظان متغايران مما سبق فأعده.
(١) ما بين القوسين زيادة من هامش النسخة الأصلية.