فصل: [هل النهي عن الشيء أمر بضده؟]
  ومعناه أنه ليس معنى قولنا: اسكن، معنى قولنا: لا تحرك حتَّى يدل عليه مطابقة ولا جزؤه حتَّى يدل عليه تضمناً، بل هما معنيان متغايران والكلام هنا كما سبق من تتمة الحجة.
  وقال (الباقلاني: بل هو عين الأمر بضده) لما تقدم، ولأن النهي طلب ترك فعل، والترك فعل أحد الأضداد فيكون النهي أمراً بالضد.
  وأجيب: بأنه يلزم أن يكون الزنا واجباً من حيث هو ترك اللواطة لأنه ضده، وبالعكس فيكون اللواطة واجبة من حيث هي ترك الزنا، وبطلان ذلك معلوم ضرورة.
  لا يقال: إنما يلزم لو أريد أنه أمر بجميع أضداده، وأمَّا لو أريد بأنه أمر بفعل أحد أضداده على ما تشير إليه النسبة فلا.
  لأنا نقول: إن المراد بالواجب أعم من المعين والمخير، فيلزم أن يكون كل من الزنا واللواطة واجباً مخيراً مثاباً عليه إذا ترك أحدهما إلى الآخر على قصد الامتثال والإتيان بالواجب.
  (ثُمَّ قال آخراً: يتضمنه) لأنه لا يتم المطلوب من النهي إلا بأحد أضداده، كما لا يتم المطلوب من الأمر إلا بترك جميع أضداده، فيجب لتضمنه إياه.
  وأجيب: أولاً: بالإلزام الفظيع وهو لزوم كون الزنا واجباً؛ لأنه ترك اللواط أو بالعكس.
  وثانياً: بإلزام اللا مباح.
  (والمختار على قياس ما تقدم) في الأمر (أنه) أي النهي (يستلزمه) أي يستلزم الأمر بضده لما تقدم هناك.
  (وقصر بعضهم هذه القاعدة) وهي أن أحدهما يستلزم الآخر ويتضمنه أو هو عينه (على الأمر دونه) أي دون النهي، روى هذا ابن الحاجب عن قوم، قال ما لفظه: ثُمَّ اقتصر قوم على القدر ولم يجروا هذا القاعدة في النهي، قال: والفار من طرد الحكم في النهي، إمَّا لأن مذهبه أن النهي طلب نفي الفعل، لا طلب الكف عنه الذي هو ضده، كما هو مذهب أبي هاشم فلا يكون أمراً بالضد، وإمَّا للفرار من الإلزام الفظيع في أمر الزنا واللواطة كما تقدم، وقد يمنع أن طلب النهي لا يستلزم طلب فعل هو أحد أضداد المنهي عنه؛ إذ لا يتصور تركه الفعل من غير اشتغال بفعل ما من حركة أو سكون، ولهذا لا يصح لا يفعل شيئاً ما، لكونه تكليفاً بالمحال.