فصل: في بيان متعلق النهي
  (والخلاف في هذا القسم) وهو النهي على البدل (كما تقدم فيما أمر به على التخيير) هل المنهي عنها جميعها أو واحد لا بعينه، أو ما انتهى عنه العبد، أو واحد معين عند الله، والحجج كالحجج، وقد ذكر أن صورته صورة النهي عن الجميع سواء، ومعناه لا تفعل هذا إن فعلت هذا فالكلام فيه كالكلام في النهي عن الجمع.
  والذي يحسن في صورته ما قاله المؤلف: (نحو لا تكلم زيداً أو عمراً أو بكراً) لأنه في مقابلة الأمر على التخيير والبدل.
  والأمر على التخيير صورته أن يقول الآمر: افعل كذا أو كذا.
  (فله ترك كلامهم معاً، كما أن له في الأمر المخير فعل الجميع، وله ترك كلام بعضهم دون بعض كما أن له فيه) أي الأمر (فعل البعض وترك البعض) لأن القصد الكف عن الواحد كما في الأمر على التخيير المقصد به تأدية الواحد، (وليس له الجمع بين كلامهم، كما أن ليس له فيه) أي في الأمر (ترك الجميع) وهذا الذي ذكره المؤلف هو رأي ابن الحاجب والقاضي عبد الله وصرح به نجم الأئمة في النحو.
  وزعم المهدي أن المنهي عنه على التخيير يخالف الأمر على التخيير بأن المنهي عنه على التخيير لا يمتثل إلا بترك جميع الأشياء بخلاف الأمر على التخيير، فإنه يعد ممتثلاً بفعل واحد، قال: ألا ترى أن القائل إذا قال: لا تأخذ هذا الثوب أو هذا وهذا، كان معناه دع هذه الثلاثة جميعاً، ولك أن تأخذ ما عداها.
  ويمكن دفعه: بأن أو ليس وضعها إلا لأحد الشيئين، ويلتزم أن المراد لا تأخذ أحدها، وما عداه هو مسكوت عنه، أو تقديره وخذ ما عداه، كما صرح به نجم الدين في: لا تضرب زيداً أو عمراً أو خالداً؛ لأن المعنى لا تضرب أحدهم واضرب الباقين، قال: وهذا القياس هو مقتضى أصل الوضع، لكنه قال بعد ذلك: ثُمَّ بعد ذلك جرى عادتهم إذا استعمل لفظ الأحد وما يؤدي معناه في الإثبات، فمعناه الواحد فقط، وإذا استعمل في غير الموجب فمعناه العموم في الأغلب، ويجوز أن يراد به الواحد فقط أيضاً، فظهر على هذا أن معنى قولهم لا تضرب زيداً أو عمراً بمعنى لا تضرب زيداً ولا عمراً، ويحتمل احتمالاً مرجوحاً معنى لا تضرب أحدهم واضرب الآخر، لكن للمعنى الأول ترجيح؛ لأن الأصل عدم وجوب الضرب، ويدفع هذا الاحتمال القرينة التي في