فصل: في بيان شروط الأمر والنهي
  [١] (أن لا يكون الأمر والنهي في أنفسهما مفسدة) فمن كان أفعل أو لا تفعل في حقه مفسدة لم يقال له.
  [٢] (وأن يتقدما بالقدر الذي يتمكن فيه من معرفة ما يتناولاه، وهو) أي القدر (أربعة أوقات: وقت سماعهما، ووقت النظر في حكمهما) هل الوجوب أو الندب أو الحظر أو الكراهة، (ووقت حصول العلم أو الظن لحكمهما، ووقت الأخذ فيهما، ويجوز) تقدمه (بأكثر) من القدر المحتاج إليه وهو الأربعة الأوقات المذكورة ونحو ذلك مما لا بد منه من الأوقات إذا كانت هناك مصلحة في تقديمه أو غرض، إذ المصلحة المعتبرة، (وفاقاً للبصرية، وخلافاً للبغدادية) فقالوا: لا يجوز بأكثر من القدر المحتاج إليه؛ لأن الأمر إذا تقدم بأكثر من ذلك كان في حكم المنسيء فلا فائدة فيه.
  قلنا: بل فائدته توطين النفس على الامتثال، والمكلف يثاب على العزم كما يثاب على الفعل.
  (وأوجب الأشعرية والنجارية مقارنتهما) أي الأمر والنهي للمأمور به (كالقدرة) فإنها تقارن مقدورها عندهم، وهذا أصل تقدم إبطاله، قالوا (وما تقدم عليه فهو للإعلام عندهم) وليس بأمرٍ.
  والذي يدل على ذلك: أنَّ المكلف لا بد أن يعلم صفة ما تناوله الأمر، وإنما يعلمه بالنظر، ويستحيل أن يكون ناظراً قاطعاً، وقد تقدم الكلام على هذا مبسوطاً.
  قال الفقيه قاسم: واعلم أن خلاف النجارية الأقرب أن يكون في العبارة؛ لأنهم يقولون: ما تقدم فهو إعلام ولا يسمى أمراً إلا المقارن، فهم يوجبون تقدم إعلام ويسمونه إعلاماً، ونحن نسميه أمراً.
  [٣] (وأن يتمكن المخاطب من فهمهما) أي الأمر والنهي سواء كان بلسان أو ترجمان (لا) أن الشرط ورودهما بلسانه، خلافاً للحفيد فيه) يقال: لا بد أن يرد بلسان المخاطب، واعترض ذلك القاضي فخر الدين بأن القرآن والسنة خطاب للعجم وليسا بلسانهم. انتهى؛ ولأن الترجمة وبها التفسير يكفيان، فلا وجه للاشتراط، وعلى كلام الحفيد يكون وجوب التكاليف على العجم بغير الأمر والنهي من الأدلة الخارجيَّة بالقياس ونحوه، والإجماع والدليل على اشتراط هذا الشرط أنه لو لم يكن كذلك كان فيه تكليف لما لا يطاق.
  (ومنها) أي ومن الشروط (ما يرجع إلى الآمر والناهي) وهو الله تعالى (وهو: أن يعلم) الآمر والناهي (من حالهما) أي الأمر والنهي (ما ذكر) من أنهما في أنفسهما ليسا مفسدة، وتقدمهما بالقدر الذي يمكن، وأن المخاطب يتمكن من فهمهما.