الباب الثاني من أبواب الكتاب: باب النهي
  (و) أن يعلم (من حال المأمور والمأمور به المنهي والمنهي عنه ما سنذكره) بعد هذا فيما نرجع إليهما إنشاء الله.
  (وأن يكون له فيهما) أي الأمر والنهي (مراد صحيح) وهو التعريض لمنزلة لا تنال إلا به، وإنما عزل عن عبارة الجوهرة وهي وأن يكون له غرض؛ لأن الغرض لا يجوز عليه تعالى (وأنه يثيب ممتثل أمره ويعاقب مخالف نهيه) ولا يشترط أن يكون الآمر قادراً على الإثابة؛ لأنه لا يعلم أنه يثبت إلا وهو قادر، ولا يشترط أن يكون عالماً بذاته؛ إذ لا يعلم ذلك إلا من هو عالم بالذات.
  (ولا يشترط إرادة إثابته حال الأمر ولا عقابه حال النهي، خلافاً للأخشيدية) فزعموا وجوب ذلك مستدلين بأن لا يحسن الإسلام والتكليف لولا الإرادة.
  قلنا: يكفي في حسنهما التعريض لهذه المنزلة.
  (ومنها) أي ومن الشروط (ما يرجع إلى المأمور به والمنهي عنه وهو العلم بهما) إذ لو لم يعلمان كان التكليف بهما تكليفاً بما لا يعلم.
  (وأن لا يكون مستحيلين في أنفسهما) كالجمع بين الضدين.
  وقد يقال: قد أغنى عن هذا الشرط في الأمر قوله: (وأن يكون المأمور به له صفة زائدة على جنسه) لأن ما يكون بهذه الصفة لا يكون مستحيلاً، والصفة الزائدة على الحسن الوجوب والندب (و) أن يكون (المنهي مما يترجح تركه على فعله).
  (ومنها) أي ومن الشروط (ما يرجع إلى المأمور والمنهي: وهو تمكنهما من الفعل والترك) بسائر ما يحتاج إليه في تحصيله من القدرة والعلوم والآلات والأسباب والإرادات والأمارات ونحو ذلك، وهذه الأمور على ضربين:
  أحدهما: ما يحتاج إليه في كل فعلٍ وليس إلا القدرة.
  والثاني: ليس كذلك وهو ما عداها، فيجب أن يمكن من كل فعلٍ مما يحتاج إليه ذلك الفعل وهو على ضربين مقدورة لنا وغير مقدورة فالمقدورة لغير القدر وكثير من الآلات، وما هذا حاله لا يصح ورود التكليف به والضرب.
  الثاني: ما هو مقدور لنا، ويصح التكليف به متى كان لنا في تلك الوصلة نفسها مصلحة زائدة على كونها وصلة.