الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثالث من أبواب الكتاب: باب العموم

صفحة 426 - الجزء 1

  (و) أمَّا (في المعاني) كالمطر ونحوه، فلا شبهة في أنه قد يطلق عليها العموم، ولكن اختلف في ذلك هل هو مجاز أو حقيقة، والمختار عنده أنه (مجاز وفاقاً للجمهور) من العلماء؛ لأنه لو كان حقيقة لكان مُطرداً، وليس كذلك بدليل معاني الأعلام كلها؛ ولأن العموم هو شمول أمرٍ واحدٍ لمتعد كشمول معنى الإنسان معنى، وعموم المطر ونحوه ليس كذلك فإنه لا يكون أمراً واحداً ليشمل الأطراف، بل كل جزء من جزء المطر حصل في جزء من أجزاء الأرض.

  (وقال رازي الحنفية وابن الحاجب): بل هو (حقيقة) أيضاً فيهما، فهو مشترك بينهما عندهما، (سواء كانت) المعاني (من الموجودات الخارجية عيناً كالمطر) أي كمعنى المطر فإنه عام باعتبار الوجود في الخارج والمطر عين من الأعيان، (وعرضاً كالصوت) يسمعه طائفة وهو أمر يعمهم كونه مسموعاً لهم، والعموم في هذا أظهر منه في الأول؛ لأن المراد بالعام أمر واحد شامل لمتعدد، وشمول المطر ونحوه كالخصب والجدب ليس كذلك لما تعذر الآن، (أو) كانت (من الذهنية) أي من المعاني الكلية التي يتصورها الإنسان فإنها شاملة لجزئياتها المتعددة الداخلة تحتها (كالحيوانية ونحوها من المعاني الكلية) كالإنسانية؛ لأنه قد ثبت جواز استعماله فيه، والأصل الحقيقة، وأيضاً فإن معنى العموم ثابت في ذلك؛ إذ ليس هو أكثر من الشمول والاستغراق.

  (ونصره) أي نصر قول ابن الحاجب (الحفيد) في الشرح فقال: ما ذكرتم من كونه غير مطرد لا يدل على أنه ليس بحقيقة، ولهذا فإن البلق حقيقة في السواد والبياض ولا يطرد، قال: والظاهر من لغة العرب العرباء استعمالهم العموم في غير القول أكثر منه في نظمهم ونثرهم، قال: وإنما يقال: العموم حقيقة في القول بالنظر إلى العرف.

  (وقيل: بالوقف) في كونه حقيقة أو مجازاً؛ لتعارض الأدلة.

  (وقيل: ليس من عوارضها) أي المعاني (لا حقيقة ولا مجازاً) قال بعضهم: ولا حجة لهؤلاء، وقال في شرح الجمع هو بعد الأقوال، بل في ثبوته نظر.

  واعلم: أن الذي دل عليه كلام أهل القولين الأولين هو أن العموم بحسب الوضع اللغوي هل يطلق على الألفاظ فقط أو عليها وعلى المعاني، وأمر ذا سهل؛ إذ يتبين بالرجوع في استعمال الفصحاء فلا نشتغل بالإسهاب فيه.