الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في عموم الأشخاص وما يستلزم]

صفحة 428 - الجزء 1

  ومثاله أيضاً: قوله تعالى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}⁣[البقرة: ٢٢٣]، فإنه يستلزم جميع الأحوال حتَّى الحيض لولا المخصص، والأزمان حتَّى رمضان لولا المخصص، والأمكنة حتَّى المساجد لولا المخصص، وكذلك قوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ}⁣[المائدة: ٩٦]، يقتضي إباحة الصيد في كل حال حتَّى الإحرام، وفي كل مكان حتَّى في الحرمين لولا مخصصهما من الأدلة.

  قال (أئمتنا والمعتزلة: وقطعي المتن منه) أي من العمومات بأن يكون من الكتاب أو السنة النبوية المتواترة (قطعي الدلالة في العلمي) وهو مسائل أصول الدين، ومن ذلك آيات الوعيد مثل {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ١٤}⁣[النساء: ١٤]، (وظنيها في العملي) ومسائل الفروع.

  وقالت (الأشعرية والفقهاء: بل ظني فيهما) أي في العلمي والعملي.

  وقال (الجويني) هو ظني فيهما (إلا إذا لاح) أي ظهر (قصد التعميم) فإنه يكون قطعياً.

  لنا: أما على أنه قطعي الدلالة في العلمي: فهو إنما يكون مبنياً على مقدمات عقلية تنسد لمكانها الاحتمالات، فكان ظاهره مقطوعاً به، وأيضاً إذا كان العموم في مسائل الاعتقاد فالغرض حينئذ بالخطاب فهمه ليعتقد معناه، فلذلك لزمه اعتقاد ذلك لحضور وقت الحاجة.

  وأيضاً إذا ورد مجرداً عن المخصص علمنا أنه قطعي في مدلوله، وإلا لكان من باب تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو لا يجوز.

  وأمَّا على أنه ظنيها في العملي: فهو أن جميع العمومات كلها معرضة للاحتمال ويطرق التأويل إليها، ولهذا خصصوها بضروبٍ من التخصيصات.

  وأيضاً فالإجماع منعقد على تصويب الآراء في الإجتهاد، ولو كانت العمومات نصوصاً لما كانت محلاً للاجتهاد، إذ لا ينظر في الإجتهاد إلى المقطوع به.

  واحتج المخالف على أن دلالته ظنية مطلقاً: بأنه يجوز إخراج بعض الأفراد بالاستثناء ونحوه بالإجماع، ولو كانت قطعية لم يصح ذلك، كما لو نص على فرد ثُمَّ استثناه، فكما لم يصح الاستثناء لأجل النص كان يلزم مثل ذلك في العموم إذا جعلنا شموله بمنزلة النص على كل فرد؛ ولأنه لو نص على كل فرد تعذر الاستثناء اتفاقاً، ولو جاء بلفظٍ عامٍ صح الاستثناء اتفاقاً، وذلك كافٍ في الفرق.