الباب الثالث من أبواب الكتاب: باب العموم
  (و) مما اتفق على عمومه من المثبتين للعموم (كل) إذا كانت (في الإثبات) نحو قوله تعالى {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ٢٦}[الرحمن: ٢٦]، (وإذا كانت) كلمة كل داخلة (في حيز النفي بأن أخرت عن أداته) تأخيراً، فيخرج نحو: كل الدراهم لم آخذ، وقوله: (من غير فصلٍ) يخرج نحو: لم آخذ كل الدراهم، فإنه فصل: فيه بين كل ولم تأخذ، وزاده المصنف لدقيقه وهي تخلصه عن الإشكال الوارد على صاحب التلخيص في هذا المقام لما حذقه وطالعة، وسواء كانت معمولة لأداة النهي أولا، وسواء كان الخبر فعلاً، نحو قول أبي الطيب:
  ما كل ما يتمنى المرء يدركه ... تجري الرياح بما لا يشتهي السفن
  أو غير فعل (نحو: ما كل بيع حلالاً، أو جعلت معمولة للفعل المنفي) إما فاعلاً لفظياً أو تأكيداً نحو: ما جاءني القوم كلهم، وما جاء كل القوم، أو مفعولاً كذلك فصاعداً (نحو: لم آخذ كل الدراهم) ولم آخذ الدراهم كلها، أو مقدماً: نحو (كل الدراهم) أو الدراهم كلها (لم آخذ) وجعل الفعل منفياً بلم؛ لأن المنفي بما لا يتقدم معموله عليه بخلاف لم ولا ولن على ما بين في النحو، وكذلك إذا وقعت مجروراً أو ظرفاً نحو: ما مررت بكل القوم، وما سرت كل الأيام، ونحو: ذلك ففي جميع هذه الصور (توجه النفي إلى الشمول خاصة) لا إلى أصل الفعل (وأفاد) الكلام (ثبوته) أي الفعل أو ثبوت الوصف (لبعض) مما أضيف إليه كل إن كانت كل في المعنى فاعلاً للفعل، أو الوصف الذي حمل عليها، أو عمل فيها كقولنا في الفعل: ما كل القوم يكتب، وما يكتب كل القوم، وفي الوصف ما كل القوم كاتباً، وما كاتب كل القوم، فيفيد ثبوت الكتابة لبعضٍ من القوم، ولو قال ثبوت الحكم ليشمل ما إذا كان الخبر جامداً نحو: ما كل سوداء تمرة، لكان أحسن، وأفاد تعلق الفعل أو الوصف لبعض إن كانت كل في المعنى مفعولاً للفعل، أو الوصف المحمول عليها، أو العامل فيها نحو: ما كل ما يتمنى المرء يدركه، ولم آخذ كل الدراهم، ونحو: ما كل الدراهم آخذها، وما أحد يأخذ الدراهم، فيفيد تعلق إدراك المرء ببعض متمنياته، وتعلق الأخذ ببعض الدراهم، بدليل الخطاب، وشهادة الذوق والاستعمال، والحق أن هذا الحكم أكثري لا كلي، بدليل قوله تعالى {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ٢٣}[الحديد: ٢٣]، {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ٢٧٦}[البقرة: ٢٧٦]، {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ١٠}[القلم: ١٠]، (وإلا) أي وإلا تكن داخلة في خبر المنفي بأن قدمت على النفي ولم تقع معمولة للفعل المنفي (عم) النفي