الباب الثالث من أبواب الكتاب: باب العموم
  كل فرد فيما أضيف إليه كل، وأفاد نفي أصل الفعل عن كل فرد، (كقوله ÷) لما قال له ذو اليدين: (أَقُصِرَت الصلاةُ - بالرفع؛ لأنها فاعل قصرت - أم نسيت يا رسول الله) «كل ذلك لم يكن» أي لم يقع واحد منهما لا القصر ولا النسيان.
  والاحتجاج من وجهين:
  أحدهما: أن السؤال تام على أحد الأمرين؛ لطلب التعيين بعد ثبوت أحدهما على الإبهام في اعتقاد المستفهم، فجوابه إما بالتعيين أو بنفي كل منهما رداً على المستفهم، وتخطئة له في اعتقاد ثبوت أحدهما ونفي الجمع بينهما، لأنه لم يعتقد ثبوتهما جميعاً، فيجب أن يكون قوله: كل ذلك لم يكن نفياً لكلٍ منهما.
  والثاني: ما روي أنه لما قال النبي ÷ كل ذلك لم يكن قال له ذو اليدين (بعض ذلك قد كان)، فلو لم يكن قوله: كل ذلك لم يكن نفياً كلياً لما صح بعض ذلك قد كان رداً له؛ لأنه إنما ينافي نفي كلٍّ منهما لا نفيهما جميعاً؛ إذ الثبوت الجزئي رفع للنفي الكلي لا للنفي الجزئي.
  نعم، الحديث متفق عليه، ولفظ البخاري من حديثٍ طويلٍ (أَقُصِرَتِ الصلاةُ أنسيتَ أم قصرتَ) فقال «لم أنس ولم تقصر»، قال: (بلى قد نسيت)، ولأبى داود «أصدق ذو اليدين»، فأوموا: أي نعم، وهي في الصحيحين بلفظ (فقالوا).
  ولمسلم من حديث: (فقام ذو اليدين فقال: (أقصرت الصلاة أم نسيت)، فقال رسول الله ÷ «كل ذلك لم يكن» فقال: (قد كان بعض ذلك يا رسول الله) الحديث.
  (و) من المتفق على عمومه جاءني إخواني (أجمعون وجمع وجميع).
  وكذلك (النكرة في سياق النفي) نحو: لا رجل في الدار، (غالباً) احترازاً مما كان بعد ليس أو معناها من الحروف، فإنهم لم يتفقوا على أنها للعموم، بل ذهب المبرد وتبعه عليه الجرجاني في أوَّل شرح الإيضاح، والزمخشري عند قوله تعالى {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[لأعراف: ٥٩]، وعند قوله {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ}[الأنعام: ٤]، إلى أنها ليست للعموم.
  قيل: والحق أنها للعموم لكنها في الأول نص، وفي الثاني ظاهر، وهو مذهب سيبويه، وممن نقله عنه أبو حيان في حروف الجر، ونقله عن الأصوليين إمام الحرمين، ولهذا نص سيبويه على جواز مخالفته تقول: ما فيها رجل بل رجلان، كما يعدل عن الظاهر في نحو: جاء الرجال إلا زيداً.