الباب الثالث من أبواب الكتاب: باب العموم
  يرد بهما) أي الجنس واسم الجنس (تنكير) لإخراج لام العهد الذهني التي هي في المعنى كالنكرة، كقولك: ادخل السوق، واشرب الماء، واشتر اللحم، حيث لا لحم عهد في الخارج، فإن هذا كالنكرة وهي لا تعم في الإثبات، فإنه لا فرق بين: اشرب ماء، واشرب الماء في المعنى، وإنما الفرق أن المجرد لأجل التنوين الذي فيه للتنكير يفيد أن ذلك الاسم بعض من جمله بخلاف المعرف، فإن المراد به الماهية مجردة عن البعضية، لكن البعضية مستفادة من القرينة كالشراء واللقاء، فكأنك قلت: اشتريت هذا الجنس فهو كعام مخصوص بالقرينة، فالمجرد وذو اللام إذاً بالنظر إلى القرينة بمعنى وبالنظر إلى أنفسهما مختلفان، وقد استفيد منه أن لام تعريف الجنس ولام استغراقه سواء في إفادتهما العموم، ولام تعريفه هي المشار بها إلى نفس الحقيقة ومفهوم المسمَّى، من غير اعتبار لما صدق عليه من الأفراد، كقولك: الرجل خير من المرأة، ولام استغراقه هي اللام المشار بها إلى الحقيقة من غير اعتبار قصد للماهية من حيث هي هي، ولا من حيث تحققها في ضمن بعض الأفراد، بل في ضمن الجميع، بدليل صحة الاستثناء الذي من شرطه دخول المستثنى في المستثنى منه لو سكت عن ذكره، واللام بالإجماع فيها للتعريف، ومعناه الإشارة والتعيين والتمييز.
  والحاصل: أن الإشارة إما إلى حصة معينة من الحقيقة: وهو تعريف العهد ولا يفيد العموم، وإمَّا إلى نفس الحقيقة والماهية والصيغة ويفيد العموم، وذلك قد يكون بحيث لا يفتقر إلى اعتبار الأفراد، وهو تعريف الحقيقة والماهية والصيغة ويفيد العموم، وقد يكون بحيث يفتقر إليه، وحينئذ إما أن توجد قرينة البعضية كما في أدخل السوق وهو العهد الذهني ولا يفيد العموم، أو لا وهو الاستغراق، احترازاً عن ترجيح بعض المتساويات، فالعهد الذهني والاستغراق من فروع تعريف الحقيقة.
  ولهذا ذهب المحققون إلى أن اللام لتعريف العهد والحقيقة لا غير، إلا أن القوم أخذوا بالحاصِل وجعلوه أربعة أقسام توضيحاً وتسهيلاً.
  [والسكاكي وغيره جعلوا اللام للعهد، وجعلوا لام الحقيقة من أحد قسميه، وأطال الشريف توجيه ذلك، وجعلوا إرادة الإستغراق أو الحقيقة أمراً وراء ذلك ليس من مدلول اللام، ثم قالوا: إن كان المقمام خطابياً وغلب فيه الظن حملت اللام على العموم، وإن كان استدلالياً يطلب فيه التعيين جملة على أقل ما تصدق عليه، ومحل استيفاء ذلك علم البيان](١).
(١) ما بين القوسين زيادة من هامش النسخة (أ).