فصل: [في مبادئ أصول الفقه]
(مقدِّمة)
  هي بكسر الدال: مأخوذة من مقدمة الجيش، للجماعة المتقدمة، من قَدِمَ بمعنَى تقدم، وقد يفتح الدال على أنَّها اسم مفعولٍ من المتعدي، يقال: مقدَّمَة العلم لما يتوقف عليه مسائله، كمعرفة حده وغايته وموضوعه، ومقدمة الكتاب لطائفةٍ من كلامِه، قدمت أمام المقصود لارتباط له بها، وانتفاع بها فيه، إذا عرفت هذا فاعلم أنه (لا بدَّ لطالب أصول الفقه) إذا أراد الشروع فيه على بصيرة (من معرفتها) وإنما زدنا إذا أراد الشروع فيه على بصيرة؛ لأن طلب هذا العلم لا يتوقف توقفاً عقلياً على شيء مما ذكر في المقدمة، إنما يتوقف عليه هو وغيره أيضاً تصورُ العلم المطلوب بوجهٍ مَّا، والتصديق بفائدة ما.
  فمعناه هاهنا: ما يستعان به في المقصود وستعرف ذلك، وهي تشتمل على ذكر أمورٍ:
  منها: المبادئ وقد بينها المصنف بقوله:
فصل: [في مبادئ أصول الفقه]
  (مبادؤه) وهي ما لا يكون مقصوداً بالذات بل يتوقف عليه ذلك، ومبادؤه خمسة:
  أولها: (حدُّه) لأن كل طالبِ كثرةٍ تضبطها جهةٌ واحدةٌ الأنسبُ بحاله والأعون على تحصيل مَرامه أن يعرفها بتلك الجهة؛ إذ لو اندفع على طلبها قبل ضبطها لم يأمَن أن يفوته ما يعنيه، ويضيع وقته فيما لا يعنيه، ولا شك أنَّ كلَّ علم من العلوم المخصوصة المدونَة مسائلُ كثيرةٌ لها جهة وحدّ، تصيرها شيئاً واحداً؛ إذ الكل متشاركات في أنها تصديقات وأحكام بأمورٍ على أخرى، وإنما صار كل طائفةٍ من هذه الأحكام علماً خاصاً بواسطة من ارتبط به بعضها ببعض، وصار المجموع ممتازاً عن الطوائف الأخر، ولولاه لم يعد علماً واحداً ولم يستحسن إفراده بالتدوين والتعليم، ومن تلك الجهة يؤخذ تعريفه، فإنّ من حق كل طالب علم أن يتصوّره أولاً، ليمتازَ عنده فيصح توجهه إليه بخصوصه، ويكون على بصيرة في طلبه؛ إذ لو تصوَّره بما يشمله وغيره كان على متن عمياء، وخبط عشواء، والحاصل أن حق الطالب أن يتصورَه بتعريفِه المأخُوذ من جهة وحدته، فإن ذلك أزيد لبصيرته، وأسهل في معرفته.