فصل: [في ألفاظ العموم التي للمذكر والمؤنث ولهما معا]
  قلنا: أرادت مالنا لا نذكر بصريح اللفظ؛ لأن في عدم ذكرهن عدم مبالاتٍ بهن فأردن أن يشرفن بذكر الله لهن بصريح ألفاظهن وجميع جموعهن، دليل ذلك على أن لدخولهن في الأحكام من الخطابات، وليس ذلك إلا لفهمهن التغليب.
  (وتردد الإمام) يحيى (في ذلك) أي في دخولهن تغليباً وعدم دخولهن، قال في المعيار: فإن قضينا بدخولهن فلأجل التغليب للذكور على الإناث، وهذا عادة العرب التغليب للذكور عند الاجتماع، وإن قضينا بخروجهن فلأن الله قد ميز كل واحد من الفريقين بخطابٍ كقوله {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}) (الأحزاب: ٣٥)، فيجب الوقف في ذلك والله أعلم بالصواب.
  (لا) أن المؤنث يدخل (وضعاً، خلافاً للحنابلة وابن داوود(١)) فزعموا دخولهن بوضع اللغة، مستدلين بأنهن لو لم يدخلن في هذه الصيغ لما شاركن في الإحكام، لثبوت أكثرها بهذه الصيغ، وأنهن مشاركات بالاتفاق كما في أحكام الصلاة والزكاة والصوم الثابتة بنحو {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[البقرة: ٤٣]، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}[البقرة: ١٨٣].
  قلنا: لا نسلم مشاركة النساء في هذه الأحكام بهذه الصيغ؛ لأن صيغة المذكر غير صيغة المؤنث، وإنما هو بطريق التغليب.
  (وللحفيد في دخوله) أي المؤنث (في يا أيها الناس - وضعاً وتغليباً - قولان) فالذي ذكره في الجوهرة أنه تغليب، والذي ذكره في شرحها أنه وضع كمن، وهو اختيار المنصور بالله.
  احتج على ذلك: بأن لفظ الناس مأخوذ من الإيناس، أو من حيث الظهور، أو من حيث النسيان، ولهذا قال: وسميت إنساناً لأنك ناسي، وكل هذه الأمور ثابتة في الكل على سواء، فيجب في كل فرد أن يسمى إنساناً سواء كان مذكراً أو مؤنثاً، أو لأنه قد سمع في واحد النساء إنسانة، فيكون الناس جمعاً لذلك، قال الشاعر:
  إنسانة لو رأتها الشمس ما طلعت ... ولو رآها قضيب البان لم يمس
  والجواب: أن أمارة التذكير في الناس قائمة وهي كونه جمع إنسان، والبيت شاذ، على أن عضد الدين قد عد الناس مما لا خلاف في أنه لا يشمل النساء.
(١) هو: محمد بن داوود الأصفهاني الظاهري، من فقهاء الظاهرية، كان فقيهاً أديباً، توفي سنة (٢٩٦) هـ.