الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثالث من أبواب الكتاب: باب العموم

صفحة 445 - الجزء 1

  واختلف هل العام يخرج عن إفادة العموم بوروده في معرض الذم والمدح (والمختار وفاقاً للجمهور) من العلماء: (أنه لا يخرج العام عن إفادة العموم بوروده في معرض المدح) للفاعل له (والذم) عليه، (إذ) هو عام لصيغته وضعاً (لا منافاة بين إرادته) أي العموم (وإرادتهما) أي المدح والذم، فوجب التعميم عملاً بالمقتضى السالم عن المعارض.

  وقد يقال: إن هذا عين النزاع، فإن الخصم يزعم أن قصد المدح أو الذم ينافي عموم الحكم وإن كان اللفظ عاماً بصيغته لما أن المقصود من إيراد مثله المنع عما ذم لأجله على وجهِ المبالغة، فلو ثبت العموم فات معنى الذم، وذلك (كقوله تعالى {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ١٣}⁣[الانفطار: ١٣]،) وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}⁣[التوبة: ٣٤]،) والمراد بالكنز المتوعد عليه كنز الزكاة، فهما على أي وجه كان حلية كان أو غيرها، وسواء كانت الحلية محظورة وهي التي تستعمل للرجال أو غير محظورة وهو غيرها، (خلافاً للشافعي) حتَّى زعم بعض الشافعية أن ليس الذهب والفضَّة عاماً للحلي حتى تجب فيه الزكاة، بناء على سوق الكلام في قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}⁣[التوبة: ٣٤]، الآية للذم لا إيجاب الزكاة في كل ذهب وفضَّة مستدلاً بأن الكلام سيق لقصد المدح والذم، وقد عهد فيها التجوز والتوسع، وإن يذكر العام وإن لم يرد العموم مبالغة وإغراقاً.

  قلنا: لا دليل على ذلك بل التعميم أدخل في المدح والذم فيدل السوق لهما على إرادته لا على عدم إرادته، ولو سلم فالتعميم وإن لم يكن أدخل فيهما فليس منافياً لهما حتَّى يكون القصد إليها مستلزماً لنفي العموم، بل غاية الأمر أن المبالغة تحصل بكلٍ منهما وإن كان عدم التعميم أدخل.

  (و) المختار (ثبوت العموم في مثل) قوله تعالى ({خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}⁣[التوبة: ١٠٣]، خلافاً للأقلين) ابن الحاجب وغيره فزعموا أن لا عموم في مثلها، فيكفي أخذ صدقة واحدة من جملة الأموال.

  والحجَّة لنا: أنا نعلم عموم الجمع المضاف فيكون المعنى خذ من كل واحد واحد من أموالهم صدقة؛ إذ معنى العموم ذلك وهو المطلوب.

  قالوا: الإجماع على أن كل دينارٍ وكل درهم مال ولا يجب أخذ الصدقة منه إجماعاً، فلا يجب من كل مالٍ، وإذا لم يجب لم يجب من كل نوع؛ إذ لا مقتضى له إلا فهم العموم من الخطاب.

  قلنا: إنه ظاهر في العموم وعارضه الإجماع في بعض متناولاته وهو الأفراد، فخصَّه فيها فبقى حجَّة فيما عدا ذلك البعض - أعني الأنواع -.