الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في كون ألفاظ العموم ظاهرة فيه]

صفحة 447 - الجزء 1

  وأيضاً لنا: كثرة الوقائع التي تستعمل فيها الصيغة للعموم، واستدل بها عليه مما ذكرناه وما لم نذكره وهي مفيدة لمن تتبعها العلم بأنَّها ظاهرة في العموم، وذلك نحو: لا إله إلا الله، فإنه يفهم منه نفي جميع ما سوى الله ونحو: اعتراض ابن الزبعري {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}⁣[الانبياء: ٩٨]، بقوله: أليس قد عبدت الملائكة والمسيح، وذلك آكد من أن يحصى مفصلاً فلذلك أحمل.

  واعترض: بأنَّ العموم إنما فهم بالقرائن.

  قلنا: فتح هذا الباب يؤدي إلى أن لا يثبت للفظ مفهوم ظاهر لجواز أن يفهم بالقرائن، فإن الناقلين لها لم ينقلوا نص الواضع بل أخذوا الأكثر من تتبع موارد الاستعمال، والتحقيق: أن التجويز لا يدفع الظهور.

  القائلون بأن هذه الصيغ حقيقة في الخصوص قالوا: إنه قد اشتهر على أن ما من عام إلاَّ وقد خص منه، والظاهر أنَّه للأغلب حقيقة في الأقل مجاز تقليلاً للمجاز الذي هو خلاف الأصل.

  قلنا: إن اختياره خروج البعض عنها إلى التخصيص بمخصص ظاهر في أنه للعموم، ولا يحمل على الخصوص إلا لدليل، وهو دليل المجاز في الخصوص والحقيقة في العموم.

  وأيضاً فإن ظهور كونها حقيقة في الأغلب إنما تكون عند عدم الدليل على أنه للأقل، وقد دلت أدلَّتنا عليه.

  القائلون بالاشتراك قالوا: أطلقت هذه الصيغة للعموم والخصوص، والأصل في الإطلاق الحقيقة، فيكون حقيقة فيهما وهو معنى الاشتراك.

  قلنا: الاشتراك خلاف الأصل، فيحمل على المجاز في أحدهما؛ لأنه أولَى من الاشتراك كما تقدم.

  القائلون بأنه لم يوضع لهما: بأن ما من عامٍ إلاَّ وبصحته قرينة حاليَّة أو مقالية يستفاد منها العمومُ، فلا سبيل إلى القطع بأن اللفظ وضع له خصوصاً، ولأن ما من عموم إلاَّ ويصح أن يعبر به عن الخصوص، فلم يكن بالعموم أولَى من الخصوص.

  قلنا: أمَّا الأول: فغير مسلم، بل قد يفهم العموم من مجرد اللفظ ولا قرينَة.

  وأمَّا الثاني: فباطل أيضاً؛ لأنه لا يستعمل للخصوص مجرداً عن قرينة تدل على ذلك، بل لا بد من مخصص، بخلاف دلالته على العموم فإنها لا تقف على قرينة.