فصل: [في شمول الخطاب للعبيد]
  (و) خلافاً (للحليمي(١) والصيرفي(٢) إن اقترن بقل) أو ما في معناه مثل: بَلِّغْهُم كذا، فإنه لا يدخل نحو قوله تعالى {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ}[لأعراف: ١٥٨].
  لنا: أن الصحابة فهموا دخوله ÷ في العمومات، ولذلك إذا لم يفعل بمقتضى ما ورد بلسانه من ذلك سألوه ÷ عن الموجب، وذكر موجب التخصيص، وذلك تقرير منه لدخوله ÷ فيها.
  ومثال ذلك: ما روي أنه ÷ أمر أصحابه بنسخ الحج إلى العمرة فقالوا: أمرتنا بالنسخ ولم تنسخ، فلم ينكر عليهم ما فهموه من دخوله في ذلك بل عدل إلى بيان الموجب فقال «إني قلدت هدياً»، وإذا كانوا يفهمون من أمر الرسول ÷ لهم دخوله فيه، فمن أمر الله الوارد بلسانه أولى، وإذا وجب مثل ذلك في الخطابات المصدرة بلفظ قل انتهض على الحليمي ومن معه.
  قالوا: إنه ÷ آمر ومبلغ، وإن كان آمراً فلا يكون مأموراً؛ لأن الواحد بالخطاب الواحد لا يكون آمراً ومأموراً من جهتين.
  قلنا: الآمر أعلى مرتبة من المأمور، فلا بد من المغايرة، وذلك لا يستقيم أن يكون مبلغاً إليه من جهتين؛ لأنه لابدَّ أن يكون وصول الخطاب إلى المبلغ قبل وصوله إلى المبلغ إليه، وهذه في الواحد محال وإن تعددت جهاته وهو ظاهر.
  قلنا: لا نسلم أنه آمر ومبلغ، بل الآمر هو الله والمبلغ جبريل، وهو حاكٍ لتبليغ جبريل ما هو داخل فيه.
  واحتج الحليمي: بأن الآمر بالأمر بالشيء لا يكون آمراً به، ولذلك لو قال الملك لوزيره: قل يا أيها الناس، لم يدخل الوزير.
  قلنا: جميع الخطابات المنزلة عليه ÷ هي في تقدير قل، فيلزم أن لا يدخل في شيء منها.
(١) هو: الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم القاضي أبو عبد الله الحليمي البخاري، من كبار علماء الشافعية في بلاد ما وراء النهر، مات في جمادى سنة (٤٠٣) هـ.
(٢) هو: محمد بن عبد الله أبو بكر الصيرفي الفقيه الأصولي، أخذ الفقه على ابن سريج، وله مصنفات في أصول الفقه وغيره، توفي بمصر (٣٣٠) هـ.