فصل: [في عموم الفعل المؤكد بمصدره]
  له في تغييره، فإذا فسر بذلك وخص بأكل العنب، كان تعييناً لأحد محتمليه، فيقبل بخلاف الأكل، فإنه ينفي الحقيقة وتفسيره تخصيص له بما لا يحتمله.
  (واختلف في) الفعل (غير المؤكد) إذا وقع في سياقٍ معنى النفي من النكرة الواقعة في الشرط المستعمل في موقع اليمين التي للمنع (مع حذف معموله نحو: إن أكلت) فزوجتي طالق، فإنه للمنع من الأكل إذ انتفاء الطلاق مطلوبٌ بانتفاء الأكل.
  أو وقع في سياق النفي مثل: (و) الله (لا آكل، بالنسبة إلى المأكولات، وإن صمت) فزوجتي طالق، (و) والله (لا أصوم بالنسبة إلى الأزمنة) في النفي، (وإن قعدت) فعبدي حر في معنى النفي (و) والله (لا أقعد) في النفي، (بالنسبة إلى الأمكنة):
  (والمختار) فيما هذا حاله (وفاقاً للشافعي وأبي يوسف: أنه عام في متعلقاته، فيقبل التخصيص بالنية، فإذا نوى مأكولاً) في الأول، (أو زماناً) في الثاني، (أو مكاناً) في الثالث، (معيناً صحت نيته، فلا يحنث بغيره) أي بغير المأكول والزمان والمكان.
  وقال (المؤيد بالله والحنفيَّة: لا عموم له) أي الفعل (فيها) أي المتعلقات (فلا يقبل التخصيص بالنية، فيحنث بذلك) أي إذا نوى التخصيص بمأكول لم يقبل منه، هذا ثمرة الخلاف ومرجع النزاع؛ إذ لا نزاع في أنه يحنث بكل مأكولٍ على ما هو مقتضى العموم إلا أنه عندنا عامٌ لفظي يقبل التخصيص كسائر العمومات، وعندهم عام عقلي لا دخل فيه للإرادة ولا يتحرى بسببها.
  وقال (الغزالي) الفعل غير المؤكد مع حذف مفعوله (عام في مفعولاته، فيقبل التخصيص بها إلاَّ في الأزمنة والأمكنة).
  لنا: أن الأكل لنفي حقيقة الأكل، وإنما يتحقق نفيه بالنسبة إلى مأكول، ولذا يحنث بأي أكل اتفاقاً، وذلك هو معنى العموم، فوجب قبوله للتخصيص كما لو صرح به.
  وأيضاً: فدلالة الأفعال على تلك التعلقات للفظها وصيغها، والنية تخصص بالألفاظ إذا كان مما يحتمله اللفظ، فجرت مجرى العموم فأثرت فيها النية وخصصتها.
  قالوا: نحو: لا أكلت لحقيقة الفعل لا بالنسبة إلى شيء، فلا يقبل التخصيص؛ إذ لو كان عاماً في مفعولاته لعم في سائر المتعلقات كالزمان والمكان فيقبل التخصيص فيها.
  قلنا: ملتزم ما ذكرتم؛ لأن نفي حقيقة الأكل يكون بنفيه في كل مكان وفي كل زمان.