الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثالث من أبواب الكتاب: باب العموم

صفحة 457 - الجزء 1

  المذاهب المذكورة جميعها مذكورة بالنظر إلى قصر العموم على الباقي دون المخرج، وكلامه في ذلك يقضي بأنه مجازٌ، فآل كلامه إلى كلام المتكلمين.

  لنا: أن لفظ العموم وضعه للعموم والاستغراق كما تقدم تقريره، فإذا خص وأريد به بعض ما يتناوله، فقد استعمل في غير موضعه، وهذا هو معنى المجاز، وقد يقال: بل هو مستعمل في معناه الأولَّ الذي وضع، غايته أنه طرأ عليه عدم إرادة البعض، وليس كذلك المجاز، فإنه إنما يكون باستعمال ثانٍ، لما علم أن استعمال الحقيقة يكون في الموضوع له، والمجازُ في غيره.

  الحنابلة، قالوا: سبق إلى الفهم مالم يخرجه التخصيص، والسبق إلى الفهم أمارة الحقيقة.

  قلنا: إنما يسبق مع القرينة إذ بدونها يسبق العموم، وأنه دليل المجاز.

  لا يقال: إرادة الباقي معلومة بدون القرينة، وإنما المحتاج إلى القرينة عدم إرادة المخرج.

  لأنا نقول: إنما يكون اللفظ حقيقة إذا علم إرادة الباقي على أنه نفس المراد وتمامه من غير قرينَة، وليس كذلك فإنا نعلم قبل القرينة أنه داخل تحت المراد وجزء منه، وإنما يصير تمام المراد بمعونة القرينة، وهذا هو معنى المجاز، وبهذا ينتهض الدليل على أنه مجاز.

  أبو الحسين: لفظ العموم مع ما انضم إليه من المخصص المتصل قد صار كالكلمة الواحدة في إفادته لما يفيده عند التقييد، لعدم استقلال المتصل؛ إذ لا معنى له حينئذ غير ذلك، فيكون حقيقة من حيث أنه أفاد مجموع مدلوله، ولا يكون مجازاً؛ لأنه لم يطلق على بعض مدلوله كما إذا خص بمنفصل.

  قلنا: إن اللفظ كان يفيد الاستغراق قبل انضمام ذلك إليه، ثُمَّ صار بعده مفيداً للبعض ومقصوراً عليه بمعونة القرينة، وهي المخصص المتصل حتَّى صار البعض تمام المراد لأجلها، وهو معنى المجاز كما ذكرناه، فلا وجه مع ذلك للفرق.

  القاضي: لو كان التخصيص بالشرط والصفة يوجب التجوز لكان مثل المسلمين للجماعة، والمسلم للجنس أو للعهد مجازاً؛ لأنهما مقيدان بقيد هو كالجزء له، وقد صار أنه لمعنى غير ما وضعا له أولاً، وهما بدونه للمنقول عنه، ومعه للمنقول إليه، ولا يحتمل غيره، وقد جعلتم ذلك موجباً للتجوز، والفرق تحكم.

  قلنا: ليس شيئاً من الصورتين عاماً مقيداً، فإن الياء في مسلمين كألف ضارب وواو مضروب، جزء الكلمة والمجموع لفظ واحد، والألف واللام في المسلم وإن كان كلمة والمجموع يعد في العرف كلمة واحدة، ويفهم منه معنى واحد من غير تجوز، ونقل من معنى إلى آخر، ولا كذلك الموصوف مع صفته.