الباب الثالث من أبواب الكتاب: باب العموم
  لنا أيضاً: أنا نقطع بأنه إذا قال: أكرم بني تميم وأمَّا فلاناً منهم فلا تكرمه، فيترك إكرام سائر بني تميم عد عاصياً، فدل على ظهوره في الباقي وهو المطلوب.
  ولنا أيضاً: أنه كان متناولاً للباقي والأصل بقاؤه على ما كان عليه.
  احتج القائلون بأنَّه حجة في أقل الجمع: بأنه المتحقق والباقي مشكوك فيه، فلا يصار إليه.
  قلنا: لا نسلم أن الباقي مشكوك فيه لما ذكرنا من الدلائل على وجوب الحمل على ما بقي.
  احتج أبو عبد الله: بأنَّ التخصيص إذا لم يخرج العموم من بقاء حكم الاسم كان الظاهر سليماً، فيجب أن يصح التعلق به، ومتى أخرجه من بقاء حكم الاسم كان الظاهر والعمل عليه لم يسلم الظاهر، فيجب أن لا يصح التعلق به، ففي آية السرقة قد تغير حكم الظاهر، ومنع التخصيص من تعليق الحكم وهو القطع على السرقة.
  قلنا: الآية مثل خبر «فيما سقت السماء العشر»، وهذا العموم يصح التعليق به عندك بعد تخصيصه كما نقول مع أن التخصيص قد أخرج العموم عن بقاء حكم الاسم، واشتراط المقدار فيما سقت السماء كاشتراط المقدار فيما سرق.
  فإن قلت: قد اجتمعت الأمَّة بعد خبر الأوساق على التعليق بظاهر الحديث، ولم يحصل في آية السرقة إجماع.
  قلت: لا عذر لك في ذلك؛ لأن إجماع الأمَّة يدل على أنه ليس بمجمل.
  احتج أبو طالب والقاضي: بأن مثل أقيموا الصلاة يحتاج إلى بيان وليس ذلك إلا لأجل تخصيصه.
  قلنا: الآية بعد تخصيصها لا تحتاج إلى بيان، ولئن سلمنا أنها تحتاج إلى بيان بعد التخصيص فليس ذلك لكونها مخصوصه، بل لكونها لا يعلم المراد بظاهرها.
  احتج أبو ثور: بأن حقيقته العموم ولم تُرَدْ، وسائر ما تحته من المراتب مجازية، وإذا لم تُرَد الحقيقة وتعددت المجازات كان اللفظ مجملاً فيها، فلا يحمل على شيء منها، والباقي في أحد المجازات، فلا يحمل عليه فيبقى متردداً بين جميع مراتب الخصوص فلا حجة في شيء منها.
  قلنا: إنما ذلك إذا كانت المجازات متساوية ولا دليل على تعيين أحدهما، وما ذكرناه دل على حمله على الباقي فيصار إليه.