فصل: [في العمل بالعام قبل البحث عن مخصصه]
  فإن كان واقعاً في المناظرة فالذي يقتضيه أدبُ الجدال أن التمسك بالعموم أولى ما يعتمده المستدل، ويكلف الخصم طلب المخصص، فإن عجز عن إبطال المخصص عد منقطعاً، ولزمه الحكم بالعموم.
  وإن كان واقعاً في النظر وهو الإجتهاد فكما سبق، ولا يتوهم أن هذا مخالف لمذهبنا فإنا نوافقه في هذا.
  وقال (الباقلاني): يجب البحث (حتَّى يعلم انتفاؤه) ولا يتوهم أن هذا الحكم خاص بالعموم والخصوص، بل (وكذلك كل دليل مع معارضه، كالنص مع ناسخه) فعندنا يجب البحث حتَّى يحصل الظن بانتفائه، وعنده لابد من العلم.
  (وقيل) يجب البحث (حتَّى يحصل اعتقاد بانتفائه).
  (والمختار) في هذه المسألة التفصيل، فنقول:
  (إن كان) العام (عملياً، فكالجمهور) من أنه يجب البحث حتَّى يحصل الظن بالانتفاء، وسواء كان العام العملي قاطعاً أو مظنوناً.
  وقال الحفيد في شرح الجوهرة: إن كان علماً وعملاً فله في العمل أن يعمل إذا غلب في ظنه أنه لا مخصص.
  وأمَّا في الاعتقاد فعليه أن يعتقد من فوره مالم يعلم المخصص أو يحصل الإشعار.
  قال القاضي عبد الله: والأصح فيما هذا حاله أن حكمه حكم ما كان من باب الأعمال؛ لأن العلم الذي يكون معه عمل يكون من باب الشرعيات، ويدخله النسخ علماً وعملاً.
  (وإن كان علمياً) أي في مسائل العلم وهي مسائل الكلام (وجب كونه) أي المخصص (قطعياً)، ووجب كونه (مقارناً) متصلاً أو منفصلاً، (عند بعض علمائنا) وهو الحفيد نص عليه في الجوهرة.
  قال القاضي فخر الدين عبد الله بن حسن: والوجه في ذلك أن المطلوب فيما هذا حاله العلم، وليس له وقت أولى من وقتٍ، فأشبه العمل الذي قد حضر وقته، فيجب أن يفتقر مقتضاه من فوره مهما لم يعلم مخصصاً.
  قال: والأولى أنه لا يجوز اعتقاد معنى ذلك إلا بعد البحث عن مخصص ذلك في الأدلة القاطعة.
  (أو) وجب كونه (قطعياً فقط) أي من دون مقارنة (عند أكثرهم) أي أكثر علمائنا، وهو الذي ذكره المهدي والإمام.
  (و) يجب أن (يبحث عنه) أي المخصص في العقل والسمع (حتَّى يعلم انتفاؤه) أي انتفاء المخصص.