الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثالث من أبواب الكتاب: باب العموم

صفحة 463 - الجزء 1

  وقال الإمام (المهدي) في الغايات: وهو تقدير جيد على أصول المتأخرين، فيبحث عنه حتَّى يعلم انتفاؤه (بأن لا يوجد بعد البحث) في الأدلة القاطعة، (فيعرف أنه لو كان موجوداً لوجب على الله أن ينبه عليه بخاطر) إن قارن ولم ينتبه المكلف (أو نحوه) وهو الإشعار إذا تأخر المخصص، ومع الإشعار أو الخاطر يلزمه طلبه، ومتى طلبه ظفر به، يعني أنه يجب عليه البيان بما يخاطبنا به مما يريد منَّا القطع بمضمونه، وإلاَّ كان مكلِّفاً بما لا يُعلم، وهو يتعالى عن ذلك.

  والحجَّة لنا: أن الواجب في الأحكام العمل فيها على العلم إن أمكن وإن تعذر عمل على الظن؛ لأنا قد دللنا على أن العلم والظن سيان في باب الأعمال، والعلم منسدة علينا جهته؛ لاتساع نطاق الإسلام وانتشار الأخبار النبوية في الأقطار، فما لأحد سبيل إلى الوقوف هاهنا على اليقين، فإذا أعوز اليقين وجب الرجوع إلى الظن الغالب في مسائل الظن، وأما مسائل العلم فإنَّه لا يؤخذ فيها إلا بالعلم، فلذا اشترط فيها كونه قطعياً.

  وأمارة الظن بعدم المخصص في زماننا: أن يكون الذي بلغه العموم ممن له ممارسته في كتب الحديث المروية وكتب الشريعة الجامعة لأبواب الفقه ولأدلتها من الكتاب والسنة، ويكفيه المطالعة في عدة منها نحو: ثلاثة وإن لم يحط بجميعها؛ لأن الأغلب على كتب الحديث المشهورة وكتب الشريعة الجامعة لأبواب الفقه أنَّها متقاربة فيما يروون من أدلة الفقه وأماراته.

  احتج الباقلاني: أن العموم متى كان مخصوصاً لم تثبت حجته في الشمول، ومهما لم يفتش عن المخصص لم يأمن أن يكون على غير ظاهره بل مخصوص، ومع تجويزنا لذلك نكون قد علمنا بما لم نثق بحجته، فلم يكن بد من البحث والتفتيش حتَّى نقف على حقيقة الأمر، ونعلم أنه لا مخصص، فحينئذٍ تلزم الحجَّة ويجب العمل.

  قلنا: لو اشترط القطع إذن لبطل العمل بأكثر عموميات السنة المعمول بها اتفاقاً، إذا القطع لا سبيل إليه، والغاية عدم الوجدان.

  قالوا: لو كانت المسألة مما كثر فيها البحث ولم يطلع على تخصيص، فالعادة قاضية بالقطع بانتفائه؛ إذ لو كان لوجد مع كثرة البحث قطعاً، وإن لم يكن مما كثر فيها البحث فبحث المجتهد يوجب القطع بانتفائه؛ لأنه لو أريد بالعام الخاص لاطَّلع عليه؛ إذ الحكم مع عدم اطلاعه على المخصص هو العموم قطعاً.