الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثالث من أبواب الكتاب: باب العموم

صفحة 470 - الجزء 1

  قالوا: الرسول لو لم يكن مخاطِباً لمن بعده لم يكن مرسلاً إليه؛ إذ لا معنى لإرساله إليهم إلا أن يقال له: بلغهم أحكامي ولا يبلغ إلا بهذه العمومات، وقد قلتم: إنها لا تناولهم وإنه مرسل إليهم بالإجماع.

  قلنا: لا نسلم أنه لا يبلغ في الجملة، وأنه يحصل إلاَّ بهذه العمومات التي هي خطاب المشافهة، إذ التبليغ لا يتعين فيه المشافهة.

  نعم، يجب التبليغ في الجملة وأنه يحصل بأن يحصل للبعض شفاهاً، وللبعض بنصب الأدلة والأمارات على أن حكمهم حكم الذين شافههم.

  قالوا: لم يزل العلماء يحتجون على أن أهل هذا الإعصار ممن بعد الصحابة مثل ذلك وهو إجماع على العموم لهم.

  قلنا: لا يتعين أن يكون ذلك لتناوله لهم، بل قد يكون لأنهم علموا أن حكمه ثابت عليهم بدليل آخر، جمعاً بين الأدلة أي هذا الدليل الدال على المشاركة في الحكم، ودليلنا الدال على عدم دخوله في الخطاب.

  واعلم أن الذين قالوا بالمفهوم اختلفوا في أنَّ له عموماً أو لا:

  فقال الأكثر: له عموم، ونفاه الغزالي، وبنى المصنف على أن الخلاف لفظي ولذلك قال (فأما الخلاف في مفهومَي الموافقة) نحو قوله تعالى {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}⁣[الاسراء: ٢٣]، (والمخالفة) نحو: في الغنم السائمة زكاة، فإن المفهوم أن المعلوفة لا زكاة فيها، (هل لهما عموم أو لا) عموم لهما، (فلفظي، لأن المثبت له) أي العموم (فيهما) أي المفهومين (أراد عمومهما فيما سوى المنطوق به) من الصور (وهو اتفاق) منهم جميعاً، (ونافيه) أي نافي العموم في (المفهومين أراد أنه لم يثبت عمومهما بالمنطوق وهو اتفاق) ولا ثالث هنا يمكن فرضه محلاً للنزاع.

  والحاصل: أنه نزاع لفظي عائد إلى تفسير لفظ العام، فمن فسره بما يستغرق في محل النطق - على ما سيجيء إنشاء الله تعالى من أن المفهوم: ما دل لا في محل النطق - لم يجعل المفهوم عاماً، ومن فسره بما يستغرق في الجملة أي سواء كان في محل النطق أو لا في محل النطق جعل المفهوم عاماً ضرورة أن الحكم ثبت في جميع ما سوى المنطوق من الصور.

  واعلم أنه ليس النزاع عائداً إلى تفسير لفظ العام، بل إلى أن العموم ملحوظ للمتكلم بمنزلة المعبر عنه بصيغة عموم حتَّى يحمل أن يراد بها البعض أو ليس بملحوظ، بل لازم عقلي يثبت تبعاً