فصل: [في معنى التخصيص]
  العام الذي أخرج عنه البعض، فإذا قيل: جاء القوم إلا زيداً فالقوم مخصص؛ لأنه عام أخرج منه بعضه، ورجح بأن المخصص هو الذي تعلق به التخصيص ودخله التخصيص وهو العام.
  (والمخصِّص - بالكسر) للصاد - (المخرِج - بكسر الراء -) لبعض العموم عنه، والمخرج حقيقة هو إرادة المتكلم؛ لأنه لما جاز أن يرد الخطاب خاصاً وعاماً لم يترجح أحدهما على الآخر إلا بالإرادة.
  وقد يطلق المخصص على الدال على الإرادة مجازاً، والدال يحتمل أن يكون صفة للشيء أي للشيء الدال على الإرادة، وهو دليل التخصيص، لفظياً كان أو عقلياً أو حسياً، تسمية للدليل باسم المدلول.
  ويحتمل أن يكون صفة للشخص أي الشخص الدال.
  (و) كما يطلق التخصيص على إخراج بعض ما تناوله العام فاعلم أنه (يطلق التخصيص على قصر اللفظ على بعض مدلوله، وإن لم يكن) اللفظ (عاماً،) وذلك (كما يطلق عليه) أيضاً أنه (عام لتعدده) وتكثره، وإن لم يكن موضع العموم (كعشرة) فإنه يقال لها عام باعتبار آحاده، فإذا أقصرت على خمسة باعتبار الاستثناء قيل: قد خصص.
  (و) مثل (المسلمين المعهودين) عهداً خارجياً نحو: جاءني المسلمون، وأكرمت المسلمين إلا زيداً، فإنهم يسمون المسلمين عاماً، والاستثناء منه تخصيصاً له، وكذلك ضمائر الجمع مثل: جاءني المسلمون فأكرمهم إلا زيداً، أو فقلت لهم أكرموني إلا زيداً، أو فقالوا: نحن نكرمك إلا زيداً، فأمَّا لو لم يكونوا المعهودين كان عاماً اصطلاحاً.
  واعلم أن التخصيص بأي تفسير فسرناه من التفسيرين فلا يستقيم، ولا يمكن إلا فيما يؤكد بكل، وهو ذو أجزاء يمكن افتراقها حقيقة نحو: الإنسان كلهم أو حكماً نحو: الجارية كلها، وذلك ليكون له بعض يمكن القصر عليه؛ ولأن التأكيد بكل إنما يدفع توهم إرادة القصر، وكون الظاهر تجوزاً أو سهواً، فتلازم جواز التأكيد بكل وإمكان القصر على البعض، سواء أريد قصر العام أو قصر اللفظ وهو المراد بالتفسيرين، هكذا ذكر معناه بتحريف بعضهم.
  وهذا يشكل بمثل ما رأيت أحداً، فإنه يصح التخصيص ولا يصح التأكيد، وبمثل أكلت الرغيف كله، فإنه يصح التأكيد ولا يصح التخصيص بالتفسير الأول، إلا أن يراد بالتلازم التلازم بين التأكيد بكل، والتخصيص بأحد التفسيرين لا بكل منهما، وحينئذ يدفع الإشكال الثاني.