الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الرابع من أبواب الكتاب: باب الخصوص

صفحة 480 - الجزء 1

  قلنا: عند إيجاد مفهوم مشترك بينهما والتقدير هنا تعدد المفهوم.

  (وتوقف بعضهم) في أنه هل تطلق صيغة الاستثناء على المنقطع مجازاً، أو حقيقة بالتواطؤ والاشتراك.

  لنا: أن المتصل هو المتبادر إلى الفهم، فلا تكون صيغة الاستثناء مشتركاً لفظاً، ولا موضوعاً للقدر المشترك بين المتصل والمنقطع، أو ليس أحد معاني المشترك أو أفراد المتواطئ أولى بالظهور والتبادر عند قطع النظر عن عارض شهرة، أو كثرة ملاحظةٍ أو نحو ذلك.

  احتج من ذهب إلى التواطؤ: بأن العلماء بوبوا الاستثناء ثُمَّ قسموه إلى المتصل والمنقطع، ومورد القسمة مشترك بين القسمين فيكون متواطئاً.

  ورد: بأنه لو صح هذا لزم أن يكون اسم الفاعل حقيقة في المستقبل؛ لأنه بوب وقسم وهو مجاز اتفاقاً.

  احتج من ذهب إلى الاشتراك اللفظي: بأنه يثبت الاستعمال فيهما على سواء، والأصل في الاستعمال الحقيقة، أمَّا المتصل فظاهر، وأما المنقطع فكثير في كتاب الله، نحو {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ٧٣}⁣[ص: ٧٣]، {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}⁣[النساء: ٢٩]، {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ}⁣[النساء: ١٥٧]، {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا ٢٥ إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ٢٦}⁣[الواقعة]، وإبليس والتجارة والظن والسلام ليست مما قبلها في شيء، وقال الشاعر:

  وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا اللعيس

  وقال النابغة:

  وقفت فيها أصيلاً لا أسائلها ... أعيت جواباً وما بالربع من أحد

  إلا أواري لأيام أبينها ... والنو بالحوض بالمظلومة الجلد

  واليعافير: تيوس الضبا، والأواري: قطعة جبل تدفن تحت الأرض.

  قلنا: قد بينا لك في غير موضع أن المجاز خير من الاشتراك.

  (وقد يطلق الاستثناء على الشرط المعلق بمشيئة الله) لا بمشيئة غيره فهو على ضربان: أحدهما المستثنى بإلا وأخواتها، والثاني تعلق العتاق والطلاق بمشيئة الله تعالى.

  واعلم أنه لم ينقل عن أهل اللغة تسمية كل تعليق استثناء إلا أنه أشتهر في عرف الشرع ذلك.

  الدليل عليه: أن القائل إذا قال: أنت طالق، فإنه يقتضي وقوع الطلاق، ثُمَّ إذا علق بالمشيئة فقد نفى عن مقتضى إطلاقه، كما أن قولنا: أنت طالق ثلاثاً إلا طلقة ينفي اللفظ عن مقتضى إطلاقه.