الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في الإستثناء المتصل]

صفحة 482 - الجزء 1

  لنا: أنه لو صح انفصال الاستثناء لما قال ÷ «من حلف على شيء فرأى غيره خيراً منه فليعمل به وليكفر عن يمينه»، ولم يوجب التكفير معيناً، بل كان يقول أو فليستثني أو يكفر فيوجب أحدهما لا بعينه؛ لأنه لا حنث مع الاستثناء وهو أسهل فكان ذكره أولى، وإن لم يخبر به معيناً، فلا أقل أن يخير بينهما لعدم وجوب شيء منهما معيناً، وكذلك جميع الإقرارات والطلاق والعتق كان ينبغي أن يستثنى منها نفياً لأحكامها بأسهل الطرق، والإجماع بخلافه، كيف ونحن نقطع أنه لو قال: علي مائة وقال بعد مثلاً: إلا عشرة لم يعد كلامه منظماً، وحكم عليه بأنَّه لغوٌ.

  قالوا: روي أن النبي صلى الله عليه قال: «لأغزون قريشاً» ثُمَّ سكت ثُمَّ قال «إنشاء الله تعالى»، ولو لا صحته لما ارتكبه.

  فإن قيل: إنشاء الله شرط لا استثناء.

  قلنا: إنهم اتفقوا على أنه لا فرق بين الشرط والاستثناء.

  قلنا: تحمل على أنه سكت لعارض من سعال أو نحوه جمعاً بين الأدلة.

  قالوا: ثانياً: إن ابن عباس كان فصيحاً قدوةً في اللغة، وقد قال بجواز تأخير الاستثناء.

  قلنا: نتأول قوله بأنه يُسمع ولو بعد حين دعوى نية الاستثناء من المتكلم فيما بينه وبين الله، أو بأنه لو ذكر بعد حين الاستثناء المأمور به وهو التعليق بمشيئة الله بأن يقول: أو لا أفعل ثُمَّ يقول بعد شهر مثلاً أفعل إنشاء الله تعالى لكان ممتثلاً للأمر المستفاد من قوله: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا ٢٣ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}⁣[الكهف: ٢٣]، وذلك أن هذا ليس ببعيد، ولو حمل على ظاهر قوله وهو جوازه مُطلقاً نواه أم لا لكان في غاية البعد.

  قال المهدي ما معناه: وأمَّا من جعله إلى شهرٍ فلعله قاسه على الإستبراء.

  وأما من جوزه إلى أربعة أشهر: فلعله تمسك بقوله تعالى {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}.

  وأما من جوزه في المجلس: فلعله قاسه على خيار المجلس، وكل هذه القياسات ضعيفة لا يعول على مثلها في حكم شرعي. انتهى.

  (و) الشرط الثاني: (كونه غير مستغرق للمستثنى منه، كمثله) تفصيل للإستغراق، (أو أكثر) منه (فيلغو) الاستثناء إذا كان كذلك، بمعنى أنه يصير وجوده كعدمه فيبقى العموم بحاله، وهذا اتفاق بين العلماء؛ لأن الاستثناء غير إخراج بعض وهو منعدم فيه.