الباب الرابع من أبواب الكتاب: باب الخصوص
  (و) الاستثناء الغير المستغرق ثلاثة أقسام:
  الأول: أنَّ (يستثنى الأقل)، وهو جائز (اتفاقاً) بين الأمَّة نحو: له علي عشرة إلا أربعة، قال تعالى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}[العنكبوت: ١٤]، إلى غيرها من الآيات.
  (و) الثاني: أن يستثنى (المساوي) لما بقي من العموم بعد الاستثناء، كأن يستثني نصفه نحو: له علي عشرة إلا خمسة، فهذا جائز (عند أئمتنا والجمهور) من العلماء، (خلافاً لبعض النحاة والحنابلة)، وحكى البيضاوي عنهم منع الزائد على النصف لا النصف، وهذا هي رواية المنتهى، (والباقلاني والظاهرية) فيلغوا عند هؤلاء، (ومثلهما) أي ومثل استثناء الأقل والمساوى في الجواز عند أئمتنا والجمهور استثناء (الأكثر) من النصف نحو: له على عشرة إلا ستة، (خلافاً للفراء وابن درستويه) وروي في الجوهرة العموم في المنع عن النحاة (والقفال ومانع المساوي) من تقدم ذكره فهؤلاء قالوا: لا يجوز استثناء الأكثر، (وقيل: بمنعهما) أي المساوى والأكثر (في العدد الصريح دون غيره) نحو: له علي عشرة إلا سبعة، فإن كان هكذا لم يجز وإن لم يكن صريحاً جاز نحو: خذ ما في الكيس من الدراهم إلا الزيوف، وكان الزيوف أكثر، (واستقبح بعض اللغويين استثناء الجبر لا الكسر) فقال: لا أستحسن استثناء عقد صحيح بأن تقول: عبيدي مائة إلا عشرة أو عشرة إلا درهم، والجبر واحد العدد الذي استثنيته منه كما تقدم مثاله، وكاستثناء الواحد من العشرة والمائة من الألف ونحو ذلك؛ إذ كل منهما واحد العدد الذي يستثنى منه، والكسر ما نقص من ذلك على حسب كل لفظٍ من بابه، فكسر العشرة نصف واحد، وكسر المائة خمسة ونحو ذلك.
  واعلم أنه لا شك أن استثناء الكسر أخس موقعاً من استثناء الجبر (ولو كان الجبر أقل) من الباقي كما مثلنا، فأما الكسر فيخس عندهم.
  لنا: أنه لا مانع منه لا من جهة القدرة، لقدرته على سائر أنواع الخطابات، ولا من جهة اللغة، لأن لفظ العموم موضوع للاستغراق، والاستثناء موضوع للخصوص، ومن وضع اللفظ حيث وضع لم يُنْسَبْ إلى خروج عن طريقة اللغة، ولا من جهة الحكمة؛ لأنه لا يمتنع أن يكون في الخطاب غرض صحيح، ولا وجه يقتضي القبح فجاز.
  ولنا: أنه قد وقع في القرآن استثناء الأكثر دليله قوله تعالى {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ٤٢}[الحجر: ٤٢]، و (من) هاهنا بيانية؛ لأن الغاوين كلهم متبعوه، فاستثنى