الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الرابع من أبواب الكتاب: باب الخصوص

صفحة 485 - الجزء 1

  فأمَّا الإضمار في المستثنى منه، فنحو قول الله تعالى {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ٧٣ إِلَّا إِبْلِيسَ}⁣[ص: ٧٣] أي فسجد الملائكة ومن أمر بالسجود إلا إبليس، فلما وقعت الشركة بين الملائكة وبين إبليس في أنهم مأمورون بالسجود صح الاستثناء، ومذهبنا عدم جواز ذلك؛ لعدم ذكر القيمة، والإضمار خلاف الأصل.

  (و) اعلم أن الاستثناء (يقع في كل أنواع الخطاب من الخبر) نحو: جاءني القوم إلا زيداً، (والأمر) نحو: أكرمهم إلا زيداً، (والنهي) نحو: لا يضربهم إلا زيداً، (والاستفهام) نحو: هل رأيت القادمين إلا زيداً، (و) يقع (في الأعيان) كما ذكرنا، (و) يقع في (الأوقات) نحو: صم إلا يوم الجمعة، ومثل الأمر سائر الأقسام (والأحوال) نحو: صل إلا أن تكون محدثاً، ومثله سائر الأقسام، (والأسباب) نحو: النظر يولد العلم إلا الفاسد، (والشروط) نحو: الوضوء شرط في صحة الصلاة إلا لعذرٍ، (والموانع) نحو: الحديث مانع بين الصلاة إلا لعذر يبيحها معه، (و) قد يكون (مفرداً) كما ذكرناه، (ومعطوفاً) كقولك: اضرب القوم إلا زيداً وإلا عمرواً، (و) قد يكون الاستثناء (مجملاً من مجمل) نحو: علي له ألف، إلا شيئاً، يبين جنس الألف ونفس الشيء بما لا يستغرق الألف الذي بينه، (و) قد يكون (مجملاً من مبين) نحو: علي له عشرة دراهم إلا شيئاً، ونفس الشيء بما لا يستغرق العشرة، (وعكسه) وهو مبين من مجملٍ نحو: علي له شيء إلا درهماً، ويفسر الشيء بما يزيد على الدراهم وإن قل، (ومستثنى من مستثنى) نحو قوله تعالى {إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ ٥٩ إِلَّا امْرَأَتَهُ}⁣[الحجر: ٥٩ - ٦٠]، (ولا يشترط إرادته) أي الاستثناء (مع أول الجملة) المستثنى منها، بل يصح الاستثناء إذا كان جامعاً للشروط الثلاثة، وإن لم يكن ناوياً عند قطعه بأول الجملة، (خلافاً لبعض الشافعية) في اشتراطهم لذلك.

  قلنا: إن المتكلم قد يعقل ثُمَّ يذكر في حال الكلام ثُمَّ يستثنى ولم يتقدم له نية، ولا دليل على اشتراط ذلك.

  (و) الاستثناء الجامع للشروط (لا يلغوا متقدماً) على المستثنى منه (في الأصح) من القولين؛ لأن منهم من يقول: يلغو.

  لنا: تقديم الكميت لذلك في قوله:

  وما لي إلا آل أحمد شيعة ... وما لي إلا مشعب الحق مشعب

  وهذا أكثر من أن يحصى في كلام العرب.