فصل: [في كيفية دلالة الإستثناء]
  منهم زيد جاؤني، ولا في نحو: له عليّ عشرة إلا درهماً، لأنه بمنزلة قولك: العشرة المخرج منها واحد له علي، وذلك لأن المنسوب إليه الفعل وإن تأخر عنه لفظاً، لكن لا بد له من التقدم وجوداً على النسبة التي يدل عليها الفعل، إذ المنسوب إليه والمنسوب سابقان على النسبة بينهما ضرورة، ففي الإستثناء لما كان المنسوب إليه هو المستثنى منه مع إلا والمستثنى، فلا بد من وجود هذه الثلاثة قبل النسبة، فلا بد إذاً من حصول الدخول والإخراج قبل النسبة فلا تناقض إذاً.
  لنا: لو كان المراد لعشرة كمالها امتنع من الصادق، ومثل قوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} لما يلزم من إثبات لبث الخمسين ونفيه وهو تناقض.
  وأجيب: بأن الإثبات إنما يحكم به باعتبار الإسناد، ولا إسناد إلا بعد الإخراج، فكما عرفت فيكون إقراراً بالباقي بعد الإخراج وهو التسعمائة والخمسون لذلك، لا لأن المراد بألف تسعمائة وخمسون.
  احتج أهل القول الثاني: بأنه إذا بطل أن يراد الألف لما ذكره الأولون وبطل أن يكون تسعمائة وخمسين لما ذكر المخالف في إبطال قول أهل المذهب الأول بقي أن يكون لتسعمائة وخمسين.
  وأجاب ابن الحاجب: بأنه يجوز إرادة العشرة ويكون الحكم بعد إخراج الثلاثة من غير تناقض.
  احتج ابن الحاجب على فساد المذهبين الأولين: بأنه لا بد في دفع التناقض من أحد التقديرات الثلاثة؛ لأنه إن أريد عشرة وأسند إليه فالتناقض ظاهر، وانتفاؤه بأن لا تراد العشرة، أو تراد ولا تسند إليه، فإن لم ترد العشرة فإن أريد بها السبعة فهو الأول، وإن لم ترد السبعة وهي مراده قطعاً فيكون مراده بالمركب وهو الثاني، وإن أريد العشرة ولم يسند إليها فهو الثالث، وإذا تعين أحد الثلاثة فإذا أبطلنا قسمين تعين الباقي.
  فنقول: الأولان باطلان فيتعين الثالث.
  أمَّا الأول: فلا يستقيم لوجوه:
  أحدها: أنا نقطع أن من قال: اشتريت الجارية إلا نصفها، لم يرد بالجارية نصفها، وإلا يلزمه استثناء نصفها من نصفها وهو غير مراد قطعاً، مع أنه لو أراد ذلك لزم التسلسل؛ لأن المراد هو الباقي من النصف منه، وهو الربع وهلم جرا.
  ثانيها: أنا نقطع أن الضمير عائد إلى الجارية بكمالها إذا المراد نصف كمال الجارية قطعاً.