الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في مبادئ أصول الفقه]

صفحة 54 - الجزء 1

  وقوله: (عن أدلتها) ليخرج به علم الله سبحانه بالأحكام، فليس مستنداً إلى الأدلة، بل هو عالم بهما غير مستفيد أحدهما عن الآخر قطعاً، وكذا يخرج ما علم من الأحكام ضرورة من الدين؛ إذ لا حاجَة له إلى الدليل، وليس جزءاً من الفقه.

  و (عن) متعلقٌ بمحذوفٍ هو صفة للعلم، أي العلم الحاصل عن أدلتها.

  وقوله: (التفصيلية) ليخرج اعتقاد المقلد العامِّي؛ إذ ليس عن دليل تفصيلي، فإنه يقول في الكل هذا ما أفتى به المفتي، وكل ما أفتى به المفتي فهو حق، فهذا حق، وهذا دليل إجمالي، هكذا ذكر معناه في الحواشي.

  ومثله ذكر الإمام الحسن #(⁣١) تبعاً لكلام بعض شراح المختصر.

  وقد يقال: إن قول المفتي دليل تفصيلي، لكنه ليس داخلاً في الأدلَّة المذكورة هنا، فقد خرج بقوله (عن أدلتها).

  ويخرج أيضاً الإجماليّة كمطلق الكتاب والسنة، فلا يستند في إباحةِ البيع إلى علمنا بكون القاطع منهما حجَّة، بل إلى الدليل التفصيلي وهو قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}⁣[البقرة: ٢٧٥]، وكذا لا يستند في تحريم الخمر إلى علمنا أن خبر الواحد حجَّة، بل إلى دليل التفصيل، وهو قوله ÷: «كل مسكرٍ حرام».

  ولا يقال: إتيان المؤلف بأو في قوله (أو الظن) معيبٌ في الحد.

  لأنا نقول: إنما تكون كذلك لو كانت للتشكيك لمنافاته التعريف، ولا كذلك هي هنا؛ لأنها لتقسيم المحدود وتفصيله؛ لأنه نوعان: علم وظن، فلا يمكن التنبيه على النوعين مع الجمع لهما بحدٍ واحدٍ بدون التفصيل.

  وأورد على الحد: أن المراد بالأحكام: إما الجميع، وهو باطل لخروج بعض الفقهاء عنه، لثبوت لا أدري عمن هو فقيه بالإجماع، نقل أن مالكاً سئل عن أربعين مسألة فقال في ست وثلاثين


(١) الإمام الناصر لدين الله الحسن بن الإمام عزالدين بن الحسن بن الإمام علي بن المؤيد بن جبريل، من أئمة الزيدية، ولد سنة (٨٢٦) هـ بهجرة ضحيان، أخذ على والده الإمام عز الدين وعلى غيره في شتى الفنون، حتى فاق الأقران، دعا بعد موت والده من كحلان تاج الدين وأجابه العلماء، توفي في سنة (٩٢٩) ه، من مؤلفاته: القسطاس المقبول، وشرح على ورقات الجويني، وله فتاوى ورسائل وغير ذلك من المؤلفات.