الباب الرابع من أبواب الكتاب: باب الخصوص
  وقال (ابن أبان) عيسى (إن سبق تخصيصه) أي العموم المعلوم (بقطعي متصل أو منفصل: جاز) لتخصيص ذلك بذلك الأحادي إلى العام المعلوم (وإلا) يسبق تخصيصه بقطعي (امتنع) تخصيصه بالأحادي.
  (و) عيسى بن أبان (وافقه الكرخي في) الخصوص بالقطعي (المنفصل) في أنه يجوز؛ لأن المخصص بالمنفصل: مجاز عنده دون المتصل، ونقل عن الكرخي بمنفصل: قطعي أو ظني، وينبغي أن يحمل الظني على نوع من الأخبار تسميه الحنفية المشهور، لكونه عندهم في قوة القطعي بالظني، وزاد ابن أبان والكرخي ولم يضعف بصرفه عن حقيقته إلى المجاز فيكون ظنياً.
  وأجيب: بأن التخصيص وقع في الدلالة؛ لأنه دفع الدلالة في بعض المراد فلم يلزم ترك القطعي للظني، بل هو ترك الظني للظني، وتقريره بعبارة أخرى فيقال: الكتاب العام قطعي المتن ظني الدلالة، والخبر الخاص بالعكس، فكان لكل قوة من وجهٍ فوجب الجمع بينهما.
  وقال (الباقلاني) بالوقف بمعنى لايدرَى أيجوز أم لا؛ إذ (كل منهما قطعي من وجهٍ) من حيث تواتر العام، ونصوصية الخاص (ظني من وجه) من حيث أن دلالة الأول ظنية، ونقل الثاني آحاداً، فوقع التعارض (فوجب الوقف).
  قلنا: يرجح الخبر؛ لأن في اعتباره جمعاً بين الدليلين، واعتبار العام إبطال للخبر بالمرة والجمع أولى من الإبطال.
  وقال (أئمتنا والمعتزلة: يجوز) تخصيص المعلوم بالمظنون (في العملي) لما سبق من الأدلة (دون العلمي) فلا يجوز تخصيصه بالظني (للقطع بمتنه لتواتره، و) للقطع (بمدلوله لأنه علمي) أي وارد فيهما المطلوب فيه العلم، ويستحيل من الله أن يتعبدنا بالظن فيما الفرض فيه العلم.
  إذا عرفت هذا (فيمتنع) تخصيصه (إلا بقاطع) وذلك كالعقل المختص بقوله تعالى {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} حيث قضى بأن ذاته خارجة عن هذا العموم.
  (وفي وجوب مقارنته) أي المخصص للعموم العلمي (قولان تقدما) في فصل: ولا يجوز العمل بالعام قبل البحث عن مخصصه، (ولذلك) أي ولأجل أنه لا يجوز العمل بالخاص الظني في العلميات (منعوا) أي أئمتنا والمعتزلة (تخصيص عمومات) آيات (الوعيد) الدالة على دخول الفساق فيه بحرف العموم نحو {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ١٤}[النساء: ١٤]، وقوله