الباب الرابع من أبواب الكتاب: باب الخصوص
  الْعَذَابِ}[النساء: ٢٥]، إنما ورد في حق الإماء، ولكن يرد هنا سؤال وهو أن يقال: لِمَ لَمْ يكن قياس العبد على الأمَة هو المخصص عند من أثبت التخصيص بمثل ذلك وهو الأكثر؟.
  ولنا: أن الإجماع دليل قطعي على ما سيأتي في موضعه إنشاء الله تعالى، وإذا قد صح تخصيص القطعي بالظني فبالقطعي أولى.
  (و) مثل إجماع الأمَّة (إجماع العترة عند أئمتنا) وأبي عبد الله، فإنه يخص به العموم وهو دليل الأدلة، (ومعناه) أي معنى تخصيص العموم بالإجماعين (تعريفهما) أي الإجماعين (أن ثَمَّ مخصصاً) للعموم؛ لأنهم لا يقضون بتخصيص شيء إلاَّ عن دليل، فالتخصيص بالتحقيق إنما كان لتضمن الإجماع نصاً مخصصاً، فعمل أهل الإجماع على خلاف النص العام يكون مبنياً على تضمنه النص المخصص، حتَّى لو عملوا خلاف ما هو نص في حكم كان ذلك الإجماع متضمناً لنص ناسخ لذلك النص الدال على الحكم بخصوصه، لامتناع عمل أهل الإجماع على خلاف النص من غير اطلاع على ناسخ له، فإنه يتضمن ناسخاً، فالقول بأن الإجماع يصلح مخصصاً ولا يصلح ناسخاً مجرد اصطلاح مبني على أن النسخ لا يكون إلا بخطاب الشرع، والتخصيص قد يكون بغيره من الفعل، فلا فرق؛ إذ كل من التخصيص والنسخ في الظاهر بالإجماع، (لا) أن المقصود (أن أنفسهما مخصصة) لأنهما إنَّما يكونان حجة بعد انقطاع الوحي، والتخصيص مرجعه أن لا يتراخى فلا تخصيص بعد انقطاعه، (فإن كانا) أي الإجماعان حصلا (بالفعل) من الأمة كأن يجلدوا العبد مثلاً أربعين، (أو السكوت) كأن لا يتكلموا في وجوب المضمضة والاستنشاق مثلاً، (أو التقرير) كأن يعلموا رجلاً يستقبل الكعبة بالبول فيسكتوا، (فهما) أي الإجماعات (من المخصص المعنوي) لأنه لا لفظ فيهما، وذلك ظاهر.
  (والرابع) من أنواع التخصيص اللفظي (المفهوم، وسواء كان مفهوم موافقة، أو مفهوم مخالفة عند معتبره) أي مفهوم المخالفة، ويحتمل أن يعاد إلى المفهوم مطلقاً لما ستقف عليه من خلاف الظاهرية، فإنه يجوز التخصيص به؛ لأنه دليل شرعي معارض لمثله، وفي العمل به جمع بين الدليلين فوجب، ولا يشترط في المعارضة التساوي في القوة والضعف، ولذا يخصص الكتاب بالخبر الأحادي (خلافاً لقوم) فإنهم منعوا من ذلك، ولعل القوم هم المخالفون فيه؛ لأنهم مخالفون في صحة التخصيص به بعد إثباته، فالنقل غريب، (ويخصصانه) أي المفهومان (إن كان) العام (عملياً مطلقاً) أي سواء كان قطعياً أو ظنياً كما عرفت، فأمَّا العلمي فيمتنع تخصيصه بمفهوم المخالفَة سواء كان أصله قطعياً أو ظنياً،