فصل: [المخصص المنفصل المعنوي]
  لنا: لو لم يصح لم يقع، وقد وقع (نحو) قوله تعالى ({تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ}[الأحقاف: ٢٥]) وقوله: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}[النمل: ٢٣]، وقوله تعالى {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[النحل: ٨٩]، وقوله {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}[الأعراف: ١٤٤]، فإن هذه العمومات كلها مخصصة بالإحساس له الآن وبالإسناد إلى الإحساس فيما مضى، وإن كان نقله إلينا بالأخبار المتواترة، ومراده بأن هذه العمومات بظاهرها غير واقع في كثير من الأشياء، فإنا لا نشك (في خروج السماء والأرض) من عموم تدمر كل شيء وكذلك سائرها.
  (أو) كان التخصيص (بدلالته) أي العقل (نحو) قوله تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران: ٩٧]، فإنَّا لا نشك (في خروج الأطفال) والمجانين من عموم الآية، كل ذلك مأخوذ من دلالة العقل؛ لأن العقل يحيل بتأمله أن الله يكلف من لا (يعقل، ومنع داود(١) والقفال(٢) من التخصيص) للعموم (به) أي بالعقل مستدلاً بأنه لو كان يعقل مخصصاً لكان متأخراً؛ لأن تخصيص الشيء بيان للمراد منه، أو لبيان متأخر عن المبين لامتناع البيان ولا مبين، وليس بمتأخر لتقدم العقل على الخطاب ضرورة.
  قلنا: العقل له ذات وله وصف وهو أنَّه بيان، فإن أردتم بتأخره تأخر ذاته فلا يلزم، وإن أردتم تأخر كونه بياناً فلا يمتنع.
  (و) منع (الشافعي من تسميته تخصيصاً) مع موافقته في الإخراج، نظراً إلى أن ما يخص بالعقل لا يصح إرادته بالحكم، والخلاف عائد إلى اللفظ والتسمية للإتفاق على الرجوع إلى العقل فيما نفى عنه حكم العام، وهل يسمى نفيه ذلك تخصيصاً، فعندنا نعم، وعندهم لا.
  (والثاني: شرعي وهو أربعة أنواع):
  (أولها: فعله أو تركه ÷ المعارضان للعام) أما غير المعارضين بأن يكون القول خاصاً بالأمَّة فلا تخصيص، وهذا (عند أئمتنا والجمهور) من العلماء، بناء على أنه حجَّة، وصواب العبارة عند جمهور أئمتنا لخلاف المنصور، وذلك (كما لو قال) النبي صلى الله
(١) داود بن علي بن خلف الأصبهاني الظاهري، إليه ينسب المذهب الظاهري، ولد بالكوفة ونشأ ببغداد، وفيها توفي سنة (٢٧٠) هـ.
(٢) هو: أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشافعي، كان من علماء الشافعية المبرزين في الفقه وأصوله، وهو الذي نشر مذهب الشافعي في بلاد ما وراء النهر، توفي سنة (٣٣٦) هـ.