الباب الرابع من أبواب الكتاب: باب الخصوص
  لنا: الإلزام غير وارد علينا؛ لأن ذلك إنما لا يجوز العمل به عند إبطال أحدهما فإن الأقوى يبطل الأضعف، لا العكس، وهاهنا ليس كذلك، فإنه إعمال لهما، ولا إبطال لشيء منهما، وأيضاً فالخبر يضعف بأمورٍ، باحتمال الكذب والكفر والفسق والخطأ والتجوز والنسخ بخلاف دلالة القياس إلاَّ إذا كان أصله خبراً.
  واحتج ابن أبان والكرخي: بما تقدم في تخصيص القطعي بالظني، ولعل خلافهما إنما هو في تخصيص العموم القطعي بالقياس الظني.
  والجواب: ما مر.
  واحتج ابن سريح: بأن القياس الجلي في قوة إثمار الظن كالنص بخلاف الخفي.
  قلنا: دلالة العموم في العملي ظنية، فجاز معارضتها بالظني.
  واحتج الإمام والغزالي: بأن العموم والقياس إذا تقابلا فلا يبعد أن يكون قياس قوي أغلب على الظن من عموم ضعيف، وعموم قوي أغلب من قياس ضعيف، فالعموم يفيد ظناً، والقياس يفيد ظناً، وقد يكون أحدهما أقوى في نفس المجتهد فيلزمه اتباع الأقوى، وقد يتعادلان، فيجب الوقف.
  قلنا: مسلم ما ذكرتم، ولكن لا يمتنع تخصيص الخبر بالقياس، وإن كان الخبر أقوى، إذ التخصيص ليس بإبطال حتَّى يلزم منه إزالة الأقوى بالأضعف، وأمَّا إذا كان أقوى فوجهُ التخصيص ظاهر.
  واحتج الواقفان: بتعارض الأمرين.
  قلنا: انعقد الإجماع على أحدهما، فالوقف خلاف الإجماع.
  وأجيب: بأنهم لم يجمعوا على وجوب العمل بأحدهما، وإنما عمل كل فريق بأحدهما معيناً، فالمخالف خالف كلاً في غير ما خالف فيه الآخر، وهذا ظاهر.
  (و) العام (الظني) مبيناً (فجواز تخصيصه به) أي القياس (أظهر) من جواز تخصيص العام القطعي به؛ لأنه إذا كان تخصيص ما هو قطعي من وجه ظني من وجهٍ بالقياس، فجواز تخصيص ما هو ظني مطلقاً أولى، وذلك ظاهر.
  (والمختار أن) هذه (المسألة) وهي تخصيص العموم بالقياس (ونحوها) وهو تقدم الخبر الواحد على عموم الكتاب وهو ظاهر (ظنية) لأن الدليل الخاص بها ظني، والمأخوذ من الظني ظني.