الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [مما ألحق بالخصوص وليس منه]

صفحة 516 - الجزء 1

  حتَّى قال الغزالي: إن أبا حنيفة إنما أخرج السبب عن العموم؛ لأنه لم يبلغه السبب في قصة عبد بن زمعة.

  ويمكن تقرير الجواب: بأنه إن أريد السبب المعين منعنا الملازمة، لجواز كون دخوله قطعياً، وإن أريد نوع ذلك نمنع بطلان اللازم بالاتفاق؛ لأن أبا حنيفة ... الخ.

  قالوا: لو عم السبب وغيره كان تسببه إليهما على سواء، وإذ لا يختص السبب بحكم فلا يكون لذكره فائدة، فلم يبالغوا في بيانه وتدوينه وحفظه بتعيين أنفسهم في ذلك، ولم يقع الاختلاف فيه عادة.

  قلنا: لا يلزم من انتفاء الفائدة المعينة انتفاء الفائدة مطلقاً، فإن فيه فائدة أخرى وهو منع تخصيصه بالإجتهاد، ونفس معرفة الأسباب؛ إذ ليس كل معرفة تراد للعمل بها، والمسألة (كقوله ÷) الراوي له الترمذي وأبو داود والنسائي وصححه أحمد عن أبي سعيد الخدري (لما سئل عن بئر بضاعة) وقيل: أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر تلقى فيها الحِيَضُ ولحوم الكلاب والنتن، فقال: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء»، أي مما ذكر وغيره.

  وقيل: مما ذكر وهو ساكت عن غيره هكذا روى الخبر ابن حجر، ورواه السيد (خلق الماء طهور لا ينجسه إلا ما غير ريحه أو لونه أو طعمه).

  (فأما جواب السائل غير المستقل دونه) أي دون السؤال (فتابع للسؤال في عمومه) وخصوصه (اتفاقاً) حتَّى لو قيل: هل يجوز التوضؤ بماء البحر فقال: نعم كان عاماً، ولو قيل: هل يجوز لي الوضوء بماء البحر فقال: نعم كان خاصاً به، وهذا لا نزاع فيه إلا ما يروى عن الشافعي حيث ذهب إلى دلالة الجواب على جواز التوضؤ بماء البحر لكل أحد في الصورة الثانية، مصيراً منه إلى أن ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.

  (ولا) يخصص العام (بعطف خاصٍ عليه) أي على العام (مما قد تناوله) ذلك العام (كقوله تعالى) من {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ (وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ)}⁣[البقرة: ٨٩]، فعطف جبريل وميكائيل الذين هما بعض من الملائكة على الملائكة لا يقتضي أن المراد بالملائكة من عدا جبريل وميكائيل، بل هو باقٍ على عمومه، فهما داخلان في العموم (خلافاً لقوم) فإنهم ذهبوا إلى أن ذلك تخصيص.

  والحجَّة لنا: أن الله تعالى إنما حكم على جبريل وميكائيل بما حكم به على الملائكة لا بغيره، وليس كذلك التخصيص؛ لأنه إخراج بعض من كل عن الحكم، وإنما ذُكرا بعد العموم تعظيماً لشأنهما، ورفعاً لذكرهما، بأن ذُكِرَا أولاً في ضمن غيرهما، ثُمَّ أفردا بالذكر.