الباب الرابع من أبواب الكتاب: باب الخصوص
  فالمذهب وهو قول أهل الحجاز والشافعي وأصحابه: أن ذلك لا يقتضي التخصيص، (خلافاً للحنفيَّة) فعندهم أن ذلك يقتضي التخصيص، فجعلت حكم المعطوف عليه حكم المعطوف في الخصوص، وذلك (كقوله ÷) المخرج له أبو داود («ألا لا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده» فخصصوا الكافر في الجملة الأولى بتقديره في الجملة الثانية مخصصاً) بالحربي، فالتقدير هنا عند الحنفية ولا ذو عهدٍ في عهده بكافرٍ حربي لتزدوج الجملتان في الحكم؛ لأن حرف العطف يقتضي ذلك، ولما كان الكافر المعاهد يقتل بالكافر المعاهد بالإجماع كان الكافر المنهي عن قتل المعاهد به هو الحربي، فلذا قدر حربي أيضاً، وإذا كان كذلك وجب أن يقدر في المعطوف عليه حربياً أيضاً فيكون الكافر الأول للحربي فقط ليكون الثاني كذلك، فيبقى الذمي داخلاً تحت قوله تعالى {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}[المائدة: ٤٥]، فوجب قتل المسلم بالذمي؛ إذ لا مانع، وهذا التقرير هو المذكور في كتب الأصحاب، وتقرير المنتهي وغيره أن عندهم الأول عام خص عنه الذمي بالنصوص الواردة في قتل النفس بالنفس، فاختص الحكم بالحربي، فيلزم أن يكون الثاني أيضاً عاماً فلا يخص عنه بشيء إلا بدليل، وقد دل النص والإجماع على قتل المعاهد بالذمي، فاختص الحكم بالحربي، أي لا يقتل ذو عهد بكافر حربي.
  وذكر في المحصول وغيره: أن عطف ما فيه العام على ما فيه المخصص كما لو قيل: ولا يقتل الذمي بكافر ولا المسلم بكافر، هل يقتضي تخصيص العام، فعندنا لا، وعندهم نعم.
  (وتوقف أبو الحسين) في عموم ما هذا حاله وخصوصه.
  لنا: الموجب للعموم في المذكور والمقدر متحقق لوقوع النكرة في سياق النفي، والمخصص موجود في الثاني وهو النص والإجماع دون الأول، فوجب القول بخصوص الثاني دون الأول.
  قالوا: لو كان الأول عاماً لكان المعطوف وهو قوله «ولا ذو عهد في عهده» أيضاً وذلك ضرورة اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم وصفته وليس كذلك؛ لأن الكافر الذي لا يقتل به المعاهد إنما هو الحربي دون الذمي، وحاصل كلامهم أنهم يدعون أن في مثل هذا العطف عموم المعطوف عليه مستلزم لعموم المعطوف الأوَّل؛ ولأن صاحب هذا التقرير ناظر إلى الإستدلال بنفي اللازم على نفي الملزوم، وتقرير المختصر ثبوت الملزوم على ثبوت اللازم.