الباب الرابع من أبواب الكتاب: باب الخصوص
  والحجة لنا: أن العموم حجة، ومذهب الصحابي ليس بحجة، فلا يجوز تخصيصه به، وإلا ترك الدليل لا للدليل وأنه غير جائز.
  قالوا: مخالفة الصحابي للعام تستدعي دليلاً، وإلا وجب تفسيقه وهو خلاف الإجماع، فيعتبر ذلك الدليل وإن لم يعلم تعيينه، ويخصص به جمعاً بين الدليلين.
  قلنا: إنه إنما يستدعي دليلاً في ظنه، وما ظنه المجتهد دليلاً لا يكون دليلاً على غيره ما لم يعلمه بعينه مع وجه دلالته، فلا يجوز لغيره اتباعه في اعتباره والتخصيص به؛ لأنه تقليد من مجتهد وهو لا يجوز.
  وقولهم دفعاً لهذا الحق أن دليله قطعي؛ إذ لو كان ظنياً لبينه دفعاً للتهمة معارض بمثل ذلك فنقول: دليله ظني؛ إذ لو كان قطعياً لبينه دفعاً للتهمة، وأيضاً لو كان قطعياً لم يجب على غيره عادة، ولما جاز مخالفه صحابي آخر له وأنه جائز اتفاقاً.
  وأمَّا الشافعي: فكأنه فرق بينهما بأن هذا من باب التقييد، فليس فيه ترك الظاهر للفظ بغير دليل بخلاف تخصيص العموم، فإن فيه ترك ظاهر اللفظ لغير دليل وذلك لا يجوز.
  قلنا: لا فرق بين الصحابي وغيره فلا يقبل؛ إذ هو مجتهد وهو يجوز مخالفة المجتهد لاجتهاده.
  (و) إذا ورد عام يتناول أنواعاً من المتناولات والمعتاد عند المخاطبين إنما هو نوع واحد مما يتناوله اللفظ بعمومه فإنه (لا) يخصص العام (بالعادة الجارية بترك بعض مدلوله) فيكون المراد ذلك النوع خاصة (مثل) أن تقول (حرمت الربا في الطعام) فإنه يتناول البر وغيره (و) بفرض أن (عادتهم أنه تناول البر) لا غيره؛ لأنه طعامهم، فهل يعم الربا كل مطعوم أو لا؟.
  الحق أنه يعم والمعتبر بتناول اللفظ، وأنه يتناول البر وغيره لا تناولهم عادة.
  (خلافاً للحنفية) فقالوا: بل يخص العموم بالعادة، (مطلقاً) أي سواء كانت على التفصيل الآتي أ (و) لا، خلافاً (للرازي إن جرت) العادة (في زمنه ÷ وعلمها وقررها) كما إذا اعتادوا بيع الموزون بالموزون متفاضلاً، بعد ورود النهي متفاضلاً، (أو) لم يجز في زمنه ÷ على الوجه المذكور، ولكن تلك العادة قد (أجمع عليها) بأن فعلها الناس من غير إنكار عليهم (لا غير) هذين الوجهين فلا يجوز التخصيص بها، فالمخصص في الحقيقة هو التقرير والإجماع، وهذا في الحقيقة موافق لما عليه الجمهور، فإنهم يقولون: إن العادة بمجردها لا تخصص وإن التقرير والإجماع يخصصان كما سلف.