فصل: [أنواع التخصيص مخصصة بالدفع لا بالرفع]
  (ويقبله) أي التخصيص (كلُّ عام) لأنه إخراج بعض من كل، وهو غير ممتنع فيه، وسواء كان العموم (معنى كالعلة) التي للقياس نحو: اعطه الزكاة لفقرة، فتخصص بالكافر والفاسق، (أو لفظاً) كالمشتركين والمفهوم، وسواء دل اللفظ على العموم في محل اللفظ كالأوَّل، أو لا في محل النطق كالثاني، وقد عد قوم المفهومين من المعنى وهو وهم ذكره في الحواشي، (إلا المؤكد بما يفيد الشمول) نحو: كل وأجمعين فإنها لا تقبل التخصيص لمناقضة التأكيد، وهذا قول لم يسبقه إليه إليه أحد من الأصوليين، لكن قواعد العربية مصرحة به.
  قال ابن الحاجب في شرح قوله: ولا يؤكد بكل وأجمع لا إذا وأجزاء يصح افتراقها جنساً أو حكماً؛ لأن كلاً وأجمع وضعتها العرب للتأكيد لتفيد الشمول والإحاطة، فقصدوا إلى أن لا يستعملوها إلاَّ في المحل الذي يفيد ذلك المعنى، فإذا قلت: أكرمت القوم كلهم واشتريت العبد كله ظهرت فائدتهما باعتبار إفادتهما الشمول، ولو اقتصروا بدونها لجاز أن يكون الإكرام لبعض القوم والشراء لبعض العبيد على طريق التجوز، فتبينت الفائدة، بخلاف جاء زيد كله. انتهى.
  (إلاَّ) أن يؤكده (بمتصل) كقوله تعالى {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ ١٧٠ إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ١٧١}[الشعراء: ١٧١].
  والوجه في ذلك: أنَّه قد ثبت صحة الاستثناء من النص نحو: جاءني عشرة رجال إلا واحداً، فإذا ثبت ذلك في النصوص ثبت فيه.
  فإن قيل: إذا حكمتم بذلك فما تصنعون في قوله تعالى {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى ٥٦}[طه: ٥٦]، من المعلوم أن الله تعالى لم ير فرعون جميع آياته.
  قلنا: قد يسبق إلى بعض الأوهام مثل الإيراد المذكور وليس بصحيح؛ لأن المراد بالآيات التسع.
  (وقول بعضهم) القاضي حسين وحكاه عضد الدين بصيغة القيل (كل عمومات القرآن مخصصة إلا) قوله تعالى ({وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ٣٥}[النور: ٣٥]، {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}[هود: ٦]، فيه نظرٌ) لأن في القرآن عمومات غير مخصصة وهي {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}[النساء: ٢٣]، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ٢٦}[الرحمن: ٢٦]، {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ٢٩}[الرحمن: ٢٩]، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[آل عمران: ١٨٥]، {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ ٣١}[غافر: ٣١]، {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ}[الأنعام: ١٣٤]، وغير هذه من الآيات، فلا وجه للقصر على ما ذكره لاتساع ذلك وكثرته.